24ديسمبر

هل أنا حر؟

خلقنا أحراراً عراة من الألقاب والأنساب، ومن العادات والتقاليد والقيم الاجتماعية، ومن اللون والشكل.
خلقنا أحراراً من قيود الحياة من كل ما يخنق أرواحنا ويكبلها، فالحرية غريزة تُولد معنا ولا نكتسبها بالتعلم، وهي حق من حقوقنا تمنحنا القدرة الذاتية على التعبير والإبداع وعلى اتخاذ القرار والأفعال دون تدخل خارجي.
والمفارقة الغريبة أننا خُلقنا أحراراً وانتهينا عبيداً ضمن منظومة اخترعها الإنسان بهدف تأطير الحرية وتشذيبها وتقليمها وفي أغلب الأحيان قمعها ووأدها في أرضها كي لا ترى النور ضمن قوالب متعددة ( التربية، السياسة، الفكر…..إلخ) والنتيجة واحدة أن تبقى الحرية ضمن السرب لا تحلق بعيداً ولا ترى أبعد من الحدود المرسومة لها، ولا تفكر إلا بعقلية القطيع.
فعلى مر العصور والإنسان يحاول استعادة حريته التي فُطر عليها، وهناك القلة ممن استطاعوا تحقيق ذلك نستدل عليهم من خلال بصماتهم المؤثرة في ميادين الحياة.
فكيف استطاعوا إدراك المعني الحقيقي للحرية؟
أعتقد أنه لا وجود لحرية دون وعي. فالحرية غير الواعية هي حرية جوفاء هوجاء مدمرة وأنانية.
بينما الحرية الواعية تنشأ من منبع الإدراك وهو القدرة على فهم الذات والعالم من حولنا، والقدرة على إدراك حاجاتنا وتلبيتها بوعي، والقدرة على التفكير المنطقي وتحليل الأفكار والمعلومات والتعرف على الظروف الاجتماعية والثقافية والاقتصادية التي نعيشها.
إذن الحرية والوعي مرتبطان بعلاقة وثيقة فبدون الوعي لا نستطيع أن نشكّل آراءنا الخاصة ولا نستطيع أن نتخذ القرارات الصائبة وبالتالي هو يدعم الحرية ويقودها إلى الطريق الصحيح، بالمقابل الحرية تساعد الوعي على التحرر من الضغوطات والقيود وتدفعه للاكتفاء الذاتي.

وكلما زاد الوعي بأشكاله الروحية والفكرية كل ما ازداد طرداً تطور الإنسان ونموه الداخلي واحساسه بالحرية ليؤهله أن يصبح سيد نفسه وسيد قراره، فيكون اليراع الذي يخط الكلمة، والريشة التى ترسم الجمال، وحجر الأساس في هذه الحياة.

على أني لا أعتقد أن هناك حرية مطلقة، بل هناك حرية واسعة، وهناك حرية ضيقة، ويختلف الضيق والوسع على حسب الوعي.
فكما قيل أنت لست حرا: وإنما الحبل المربوط في عنقك أطول قليلا من الآخرين.
تعني الحرية المطلقة حرية كاملة وغير مقيدة دون أي قيود.

حتى في المواقف التي يتمتع فيها الأفراد بدرجة عالية من الحرية الشخصية، لا تزال هناك قيود معينة تفرضها طبيعة التفاعلات الاجتماعية والاعتبارات الأخلاقية والحاجة إلى العيش التعاوني. الحرية المطلقة إذا ما أخذت إلى أقصى حد لها يمكن أن تؤدي إلى الفوضى والصراع وانتهاك حقوق الآخرين.

لا يمكن تحقيق فكرة الحرية المطلقة -عمليا- في سياق مجتمعي دون المساس بحقوق ورفاهية الأفراد والمجتمع ككل. التوازن بين الحرية الفردية والنظام المجتمعي هو مناقشة معقدة ومستمرة في الفلسفة والسياسة والأخلاق.

هل أنا حر؟
أتمنى ذلك.

    شارك التدوينة !

    عن Hatem Ali

    اضف رد

    لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

    *