أعتقد أني بدأت أميل إلى فكرة تبني أنه من حق المرء أن يكون متناقضا..
(عرّف إعلان حقوق الإنسان مجالا معينا للحرية، وقد تضمّن سبعة عشر بندا؛ فجاء بودلير الذي اخترع بندين آخرين وهما: الحق في مناقضة الذات، والحق في الرحيل)، وحينما يقول الرحيل فهو يقصد “الانتحار” ولهذا يكون للرحيل مغزى آخر..
لم أدرس الفكرة جيدا؛ لكنها بدأت لي منذ الوهلة الأولى ضربا جيدا من ضروب الحرية..
قد اطمئن حينما أسميها حرية ولربما كان الأولى أن أسميها “عبثية” أو فوضوية..
ولكن على الأقل يجب أن يكون هناك مساحة -ولو غير مرئية- لدى الفرد يكون فيها متناقضا: بدأ بالملابس ومرورا بالأكل وانتهاء بالأفكار..
هناك تصورات لدى البعض أنه يعرفك جيدا من خلال ما تكتب، أو من خلال الأحاديث الجانبية معك في فترات الانتظار أو استراحة ساعة العمل، ولا يعلم أن الإنسان أعقد من ذلك بكثير..
نحن نناقض أنفسنا و نتبنى معايير مزدوجة في الكثير من محطات ومراحل الحياة..
حينما يكون الإنسان في الأماكن العامة ففي -الغالب- يتصرف حسب السائد، وليس حسب ما يريد، ولذلك لا يمكن أبدا أن تفهم إنسان من أجل أنك تراه يوميا في العمل أو في أي مكان آخر..المشاهدة اليومية الرتيبة في الدوام لا تعطي إلا انبطاعا يسيرا، وأما المخفي تحت الجلد وتحت مسام الضمير لا يمكن الوصول له..
هل يستطيع الإنسان أن يكون متناقضا في مكان العمل؟
حتما لا..
لأن الفرد يجب أن يكون كما يُتوقع منه -في مكان العمل- وليس كما هو حقيقة..
الإنسان عادة يكون متماشيا مع الأعراف والتقاليد ولو كان لا يؤمن بها؛ ولكن ليسلم من الطرد المجتمعي..
إن الجماعة والقبيلة والمجتمع كلها تفرض على الإنسان قوانينها على الأتباع، ولن تستطيع أن تكون -بكامل الحرية- وأنت داخل الجماعة..
بعض المشاهير يخرجون عن المألوف والعادة لكسر هذا التابو؛ ولكن هل هذه “التقليعات” هي حقهم في التناقض، أم أن أنها لحظات آنية ولحظية من أجل كسب شريحة أكبر من الجمهور؟
عندي أن الفرق بين “التقليعة” وبين “حق التناقض” هي أصالة الفكرة، والتحامها بالذات..
المتناقضون -غالبا- يكون التناقض عندهم أصيلا ولا يرجون منه عاجل منفعة، وإنما هم اختاروا التناقض لأنه أقرب لحقيقة الذات لديهم..
المتناقضون هل هم صعاليك جدد؟
تم نشر هذه المقالة في العدد الثمانين من مجلة فرقد.