لا شك أن القراءة مهمة وعلى قدر هذه الأهمية تكمن الخطورة والأضرار، ولنفترض –جدلا- أن كل القراءة جيدة، وهي بالفعل كذلك إذا تم اختيار الكتب بعناية وباعتدال أيضا.
أنت لا تذهب للصيدلية وتشتري ما تشاء من الأدوية؛ فالأدوية تحتاج إلى وصفة، وكذلك الكتب. إذا كنتَ تحافظ على جسدك فتجتهد في إنعامه والمحافظة عليه؛ فالعقل أولى بذلك.
من أخطر أضرار القراءة أن الإلهام يصبح أسيرا لها، فلا اقتداح للفكرة دونها، وهذه مصيبة كبرى، أين التأمل؟ أين الخيال؟ أين السفر؟ أين الخُلطة تذهب كلها وتضطر للقراءة عنوة؛ لتُنشئ الفكرة كما تنشأ السحابة في الصحراء.
القراءة تعزلك عن واقعك المهشّم وتبني لك الحواجز بينك وبين الناس عوضا من مد الجسور.. إنها تخلق عالماً وهمياً جميلا في رأسك حتى إذا تنعمّتَ به دهستك شاحنة الواقع فإذا أنتَ من المحبطين.
القراءة تجعلك مدمناً عليها حتى إذا انتهى الكتاب طلبتَ الآخر وهكذا حتى يزلّ العمر وينقضي الأجل وأنت في طلب الصفحات وسود الأوراق. بسبب هذا الإدمان حدث التعلق الشديد بالكتب والدنف بها حتى أنها تُفرّق بين المرء وزوجه كما حدث مع سيبويه، وأيضا العياشي إبراهيم مكث عشرين سنة يحقق كتابا له، فلما خاصم امرأته أحرقت الكتاب فأصيب بالشلل!!
فلا حيَّ الله الإكثار من شيء يُفرّق بين الخليلين، ويؤثر بل يهدم صحة الإنسان النفسية.
ومن أضرارها الكبرى أنك كحفار القبور تصبح جليساً للموتى، وخديناً لعظامٍ فانية، ولا يخلو هذا من فكرٍ قديم، أو منهجٍ بائد، ولا من رؤية معطلّة كالبئر المعطلة.
وعيب القراءة أنها تسحب قماش الطمأنينة، وتهبُك قميصاً مرقعاً بالشكوك، كما قيل: تزرع الشك بطمأنينة. بعض القراءات تدس بذوراً غير صالحة للنماء فتفسد التربة ويموت بعدها الحرث والنسل.
القراءة المنفلتة تعمي، وإن لم تعم فهي تشوّش على الصورة العامة، وتميل بك إلى قضايا بعيدة كل البعد عن واقعك وما يمسّك من أحداث.
صاحب العقل لا يشقى بعقله؛ ولكن الشقوة كل الشقوة في الإكثار من القراءة.
ومن معايبها –عفى الله عنها- أنه تمدَّ الغِرّ بالشبر الأول فلا يتجاوزه، وربما نجا منه بأعجوبة ليصبح فيما بعد مشهوراً بـ الناجي الوحيد من الشبر الأول.
لا أخاف من القراءة؛ لكني أخاف من جور الكتب.
*نشر في مجلة فرقد الإبداعية التابعة للنادي الأدبي بالطائف العدد السابع عشر: