رسائل مي صفحات وعبرات من أدب مي الخالد بقلم مي زيادة تقديم جميل جبر.
لعل من أهم الأجناس الأدبية التي أحبها هو أدب الرسائل؛ لأنه أدب شفاف ولا أقول -صادق- ولكنه شفاف لأنه يشف عما في الضمير؛ ولذلك مكتبتي تغص بكتب الرسائل من كل الثقافات سواء كانت هذه الرسائل بين حبيبين أو زوجيين أو صديقين أو بين مريض ودكتوره النفسي!
هذا الكتاب يستعرض بعض مراسلات مي زيادة الأدبية ويلقي الضوء عليها.
أعجبني قول باحثة البادية من عرض رسالة لها مرسلة إلى مي فتقول:
إذا أمَرَنا الرجل أن نحتجب احتجبنا، وإذا صاح الآن يطلب سفورنا أسفرنا، وإذا أراد تعليمنا تعلّمنا، فهل هو حسن النية في كل ما يطلب منّا ولأجلنا أم يريد بنا شرا؟ لا شك أنه أخطأ وأصاب في تقرير حقنا من قبل، ولا شك أنه يخطئ ويصيب في تقرير حقوقنا لنا.
لترد عليها مي قائلة:
الرجل ملك متداعٍ لعرشه؛ لأن ريح الفوضى تهب عليه من كل جانب، وخطوات الارتقاء النسائي تتوالى متكاثرة ممكنة مع مرور الأيام.
الرجل من الذين يستحقون الشفقة لأنه لا يعرف أنه يستحقها. إنه باستبعادنا لمنتحر، ولو صرفنا النظر عن مستقبل الذرية ولو بحثنا في حياته الفردية، لوجدنا أن ما من أحد يساعده على التخلص من الشوائب الشائبة وبحثه على إنماء شخصيته الغنية المخصبة إلا نحن.

غلاف الكتاب
وقد أرسلت إلى لطفي السيد تعاتبه على عدم حضور النساء حفلة الأربعين التأبينية لفتحي زغلول باشا: إنها دموع عظيمة آتية من بعيد، من أعماق المحبة المقدسة. لو حضرتِ النساء هذا الاجتماع، لأخذن عنه أمثولة طيبة، وحفظن منه في نفوسهنّ أثرا جليلا.
وقد قالت من رسالة لها إلى الدكتور يعقوب صروف: نعم أتمنى أن يأتي بعد موتي من ينصفني، ويستخرج من كتاباتي الصغيرة المتواضعة ما فيها من روح الإخلاص، والصدق، والحمية، والتحمس لكل شيء حسن وصالح وجميل لأنه كذلك.
وقالت من رسالة لها إلى جبران خليل جبران: أمَا صَدَق القائلون إن صداقة الرجل والمرأة رابع المستحيلات. آلمني سكوتك من هذا القبيل، وأرهف انتباهي، فأعلمني أنك لم تشاركني ارتياحي إلى تلك الصداقة الفكرية، لأنك لو كنت سعيدا بها مثلي، لَمَا كنت رميت إلى أبعد منها. علمتُ أنني كنت وحدي حيث كنت أظننا اثنين. وقدّرتك أنك لم تحسب تلك سوى مقدمة وأنا كنت أقدرها لذاتها. وصار معنى سكوتك عندي (إما ذاك وإما لا شيء..وأنت أدرى بأثر هذا في نفسي).
وقالت في رسالة إلى صديقة لها:
أضربتُ عن الطعام لأني اشتهيت الموت بعدما لاقيت من اضطهاد وعسف، وفي مصر حيث بِيع أثاثي ومكتبي بالمزاد العلني، أو في لبنان حيث لاقيت وسائل غريبة لحمل الناس على الاعتقاد بجنوني.
الحقيقة أن شخصية مي زيادة شخصية فريدة من نوعها، لا أعتقد أنها ستتكرر، لقد كانت آية في الجمال العقلي والأدبي والنفسي والنفساني.
لقد تعرضت لظلم كبير في حياتها، ولعل الاحتفاء بها الآن بعد موتها يخفف عنها بعض الذي لحق بها في دنيانا الفانية، ولعلي بهذه المراجعة البسيطة المتواضعة أن أحقق لها أمنيتها في رسالتها إلى د.يعقوب صروف.
الكتاب من القطع المتوسط يقع في 84 صفحة من إصدارات دار الرافدين عام 2020.