­
17مارس

متحف التعاطف: جسر يعانق الروح عبر الثقافات

في زمن تتسع فيه الفجوات بين البشر حيث تُبنى الجدران أسرع مما تُمدّ الجسور يقف متحف التعاطف (Empathy Museum) كمنارة مضيئة كصوت خافت يهمس في أذن العالم: “توقف، واستمع، واشعر”.

بدأ هذا الحلم في المملكة المتحدة عام 2015  لتجعل من الفن مرآة تعكس القلوب ومن القصص خيوطا تنسج أرواحا متباعدة.

تخيّل أن تمشي في حذاء ليس لك وأن تستمع إلى همسة حياة لم تعشها

تخيل أن تحمل ولو للحظة ثقل تجربة إنسان آخر.

هكذا هو “A Mile in My Shoes” معرض متنقل يدعوك لتسير ميلا في حياة غريب ولتسمع نبض قلبه: لترى العالم بعينيه.

يقدم المتحف معارض متنقلة حيث يرتدي الزوار أحذية شخص آخر ويستمعون إلى قصته أثناء المشي.

الاتصال الثقافي هنا ليس مجرد كلمات تقال أو أفكار تتبادل؛ بل هو غوص عميق في بحر الإنسانية. إنه اللحظة التي تدرك فيها أن الآخر ليس بعيدا وأن دموعه تشبه دموعك وأن ضحكته تحمل نفس الدفء.

في هذا المتحف لا تروى القصص لمجرد السرد؛ بل لتحيي شيئا بداخلك ولتشعل شرارة تذكّرك بأن تحت كل جلد بشري وتحت كل لون أو لهجة أو معتقد ينبض قلب يتوق إلى أن يفهم.

كل قصة هي نافذة وكل نافذة هي دعوة للعبور.

هذا الاتصال الثقافي يحمل قوة جبارة: قوة تكسر الحواجز التي نصنعها بأيدينا.

إنه يعيدنا إلى جوهرنا وإلى تلك اللحظة الأولى التي ننظر فيها إلى العالم بعيون مندهشة خالية من الأحكام.

عندما تسمع صوتا يرتجف وهو يروي ألما غريبا عنك، أو عندما تشعر بدفء حلم يحكى بلغة لا تفهمها: تدرك وقتها أن الثقافات ليست جدرانا، إنها ألوان تتداخل لترسم لوحة واحدة: هي لوحة الإنسان.

متحف التعاطف لا يعلّمك التعاطف فحسب بل يجعلك تعيشه: يزرعه فيك كبذرة تنمو مع كل خطوة تخطوها في حذاء الآخر.

في عالم يصرخ بالانقسام: يأتي هذا المتحف كصرخة معاكسة صرخة مفعمة بالحب والأمل.

إنه يذكرنا أن الاتصال الثقافي ليس رفاهية، إنه ضرورة تحيي فينا ما هو أجمل: قدرتنا على أن نكون بشرا حقا في هذا الكوكب المليء بالتعاسة.

هنا على هذه الأرض الواسعة: لا يوجد “نحن” و”هم”

يوجد “أنا” ترى نفسها في “أنت”، و”أنت” تجد نفسك في “أنا”.

وفي هذا اللقاء: تولد الإنسانية من جديد.

    شارك التدوينة !

    عن Hatem Ali

    اضف رد

    لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

    *