10سبتمبر

يوميات شاعر في مهرجان الشباب الدولي ببكين « عيش وملح » وشعر.. وأشياء أخرى.

يوميات – حاتم الشهري

وصلتني دعوة كريمة من جمهورية الصين الشعبية للمشاركة في المهرجان الدولي لشعر الشباب دون سن الأربعين من 17 يوليو إلى 24 يوليو في مدينة بكين وهانغتشو.
‏الحقيقة أن اللجنة المنظمة للمهرجان مهتمة بشكل كبير بالضيوف والتفاصيل الدقيقة مثلها مثل اللجان في المهرجانات الأخرى لكن ربما هذه المرة هم حريصون أكثر ودقيقون أكثر وهذا دليل على شدة الاحترافية لديهم.
‏تم إبلاغنا بأن هناك حفلاً افتتاحياً وحفلاً ختامياً للمهرجان، ويجب على كل شاعر ارتداء الزي الوطني لبلده في هذين الحفلين.
‏وطلبوا منا بكل أدب ولطف نسختين من كل كتاب صدر للشاعر من أجل إيداع نسخة منه في متحف تشجانغ للأدب، ونسخة في المتحف الوطني للأدب الصيني الحديث.
‏أبلغونا بأن المقعد المحجوز لكل ضيف في الطائرة هو المقعد الذي بجانب النافذة، وتستطيع تغييره في حال أردت ذلك.
‏تعجبني هذه التفاصيل الصغيرة.
‏لقد كثفت قراءتي هذه الأشهر في الأدب الصيني وكذلك التاريخ الصيني حتى يكون لدي خلفية ولو بسيطة عن الثقافة الصينية العريقة.
‏كانت رحلتنا من الرياض على أبو ظبي ثم إلى شنغهاي، وحينما وصلنا إلى شنغهاي ركبنا الحافلة إلى مدينة هانغتشو التي كانت تسمى في كتب الرحلات العربية القديمة (الخنساء)، وكانت المسافة بالحافلة 3 ساعات.
‏وصلنا وكان عدد المدعوين أكثر من 72 شاعرا من 9 دول هي دول البركس (الصين وروسيا والهند والبرازيل وجنوب أفريقيا واثيوبيا والسعودية ومصر والإمارات).
‏كان يوم افتتاح المهرجان مهيبا وعظيما لأننا رأينا المسرح والغناء والفولكلور الصيني العريق مع كلمات رسمية وأيضا قراءات شعرية لستة شعراء من ست دول.
‏اليوم الثاني كان الحفل الخطابي وألقى فيه أكثر من عشرين شاعرا خطابات مختلفة عن ماهية الشعر والتجديد فيه وأهميته وما مستقبل الشعر؟
‏في هذا الحفل ألقى رئيس جمعية الكتّاب الصينين كلمة رائعة أعرب فيها عن ترحابه بجميع الشعراء الشباب وأن هذا المهرجان هو النسخة الأولى منه، يأتي هذا المهرجان بعد 39 عاما من إنشاء جمعية الشعراء الشباب في الصين، وأكّد على أن المشاركين اليوم هم شباب، ولكن البعض منهم سيكون ذا شأن في المستقبل وسيكتب البعض قصائد خالدة للأجيال. وتم توزيع كتاب لجميع المشاركين فيه نبذة عن كل شاعر مشارك وكذلك قصيدة له مترجمة إلى اللغة الصينية في طبعة رائعة.
‏لقد كان هذا المهرجان عظيما لأنه مد جسور المعرفة بيننا وبين الشعراء من مختلف البلدان، والعجيب أني قابلت شاعرة اسمها «آنا» من البرازيل نشرت ديوانها لدى الدار التي نشرت فيها ديواني باللغة البرتغالية في البرازيل، حقا إنه عالم صغير.
‏لقد أهدونا صورة جماعية لجميع المشاركين، وكانت لفتة رائعة جدا.
‏لم أستطع اكمال المهرجان والذهاب إلى بكين بحكم ارتباطاتي وكنت أتمنى لو أني ذهبت وأني ألقيت قصائد على سور الصين العظيم، ولكن ربما ذات يوم.
‏لقد سعدت كثيرا بهذه الدعوة الكريمة. ودائما وأبدا على دروب الأدب نلتقي..

الصورة التذكارية لجميع الشعراء المشاركين في المهرجان

‏هل أكلت؟
‏في العديد من الثقافات تتجاوز المشاركة في تناول الطعام مجرد تناول الطعام، وتصبح تعبيرًا عميقًا عن الصداقة الحميمة والثقة والقرابة. ويتجلى ذلك بشكل خاص في الثقافتين العربية والصينية حيث تتجلى أهمية تناول الطعام والشراب معًا في النسيج الاجتماعي.
‏في الثقافة العربية تؤكد مقولة ”بيننا عيش وملح“ بعد مشاركة وجبة الطعام على أهمية الضيافة والروابط التي تتشكل على الطعام. هذا التقليد المعروف باسم ”الضِيفْة“ أو الضيافة، لا يتعلق فقط بتناول الطعام بل يتعلق بتكوين العلاقات وتقويتها. عندما يُدعى الضيف لتناول الطعام يتم الترحيب به في الدائرة الداخلية للمضيف وهي لفتة ترمز إلى القبول والاحترام المتبادل. وتسلط هذه الممارسة الضوء على القيمة التي توضع على الروابط الإنسانية والشعور بالانتماء للمجتمع الذي يميز المجتمع العربي. إن مشاركة الوجبة هي دعوة إلى منزل الشخص وقلبه، وهي بادرة كرم وثقة تعزز الروابط الدائمة.
‏وبالمثل في الثقافة الصينية تعد طقوس تناول الطعام معًا حجر الزاوية في التفاعل الاجتماعي. المثل الصيني القائل (هل أكلت؟) لا تُستخدم فقط كتحية، بل كتعبير حقيقي عن الاهتمام برفاهية الشخص. إن تجربة تناول الطعام الجماعية في الصين والتي غالبًا ما تتميز بأطباق كبيرة مشتركة توضع في وسط المائدة تؤكد على الوحدة والانسجام الجماعي. وخلال هذه الوجبات يتم تبادل القصص وإبرام الصفقات التجارية وتعميق الصداقات. يرمز فعل مشاركة الطعام إلى الحياة المشتركة حيث يساهم كل شخص في التجربة الجماعية ويشارك فيها.
‏في كلتا الثقافتين فإن تناول الطعام معًا مشبع بطبقات من المعاني الثقافية فهو وسيلة لتكريم الضيوف والاحتفال بالمعالم البارزة وتعزيز الروابط الاجتماعية. ويعكس الإعداد الدقيق للطعام وطريقة تقديمه العناية والاحترام لمن يشاركون فيه.
‏إن الوجبة المشتركة هي صورة مصغرة للمجتمع نفسه حيث تجسد قيم الكرم والوحدة والاحترام المتبادل.
‏في عالم اليوم سريع الإيقاع تُعد تقاليد الوجبات المشتركة في الثقافات العربية والصينية بمثابة تذكير مؤثر بأهمية التريث والتواصل مع الآخرين. فهي تعلّمنا أن الطعام ليس مجرد وقود، بل هو وسيلة لتغذية العلاقات والحفاظ عليها. تدعونا هذه الممارسات الثقافية إلى تقدير الروابط الإنسانية العميقة التي تنشأ على مائدة الطعام وهي روابط تحوّل المعارف إلى أصدقاء والأصدقاء إلى عائلة.

لماذا الشعر؟ *
(في ظل هذه الثورة التقنية والتي شملت كل مناحي الحياة، ربما يظن البعض أن العلوم الإنسانية بشكل عام غير مهمة وعلى رأسها الشعر؛ وربما يتساءل البعض: لماذا الشعر؟
‏لماذا هو مهم؟ وهل الرواية أزاحت الشعر عن عرش الأجناس الأدبية؟
‏بلا شك أن الرواية هي الجنس الأدبي الأكثر رواجا، ولكن ربما ليس الأكثر أهمية.
‏باعتقادي أن الشعر يبقى هو الجنس الأدبي الأكثر أهمية والأكثر طيرانا بين الشعوب.
‏فالشعر لديه القدرة على ربط الناس عبر الثقافات واللغات والأجيال. إنه يتحدث عن التجارب الإنسانية العالمية، ويعزز التعاطف والتفاهم والروابط المشتركة بين الأفراد؛ ولأنه يشجع الإبداع والخيال، سواء في خلق وتفسير الظواهر المرئية والباطنية. إنه يتحدى القراء على التفكير النقدي، والسؤال، وإدراك العالم من وجهات نظر جديدة.
‏ولا شك أنه يساعد على التأمل من خلال الاستبطان واكتشاف الذات والتأمل الأعمق في الأسئلة والقيم والحقائق الوجودية.
‏ولعل الشعر من أهم التجارب الوجدانية العلاجية لأن قراءته تجربة شافية، وتوفر العزاء والشفاء والشعور بالإفراج عن الأعباء العاطفية إنه يوفر الراحة والخلاص خاصة في أوقات الحزن أو الخسارة أو النضال.
‏ولا يمكن نسيان دور الشعر النضالي الاجتماعي في معالجة القضايا التي تهتم بالفرد والإنسان؛ لأن الشعر يلهم التغيير، ويثير الفكر، ويشعل النشاط.
‏ولا ننسى أهميته في الحفاظ على الإرث اللغوي والجمالي في اللغة؛ فهو يثري المفردات ويعزز الإبداع؛ كما أنه يحافظ على التراث الثقافي والتقاليد، فهو يعمل كمستودع للذاكرة والهوية الجمعية.
‏يعكس الشعر قيم ومعتقدات المجتمعات عبر التاريخ، ويقدم نظرة ثاقبة للثقافات والحركات الاجتماعية المختلفة مما يساهم في فهم أكثر لثراء التجارب البشرية عبر الزمان والمكان.
‏والشعر يلهم لأشكال فنية أخرى، فهو المحرك الرئيس للموسيقى والفنون البصرية كالمسرح.
‏غالبا ما تكون اللغة والصور الشعرية بمثابة مصادر إلهام للموسيقيين والرسامين ومصممي الرقصات وصانعي الأفلام، مما يثري المشهد الفني.
‏الشعر هو قديس الأجناس الأدبية، وهو الشيخ الوقور الذي لا يهرم).

 

*تم نشر هذه اليوميات في مجلة اليمامة:
http://www.alyamamahonline.com/ItemDetails.aspx?articleId=18475

    شارك التدوينة !

    عن Hatem Ali

    اضف رد

    لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

    *