14أكتوبر

المختار من كتاب دفاع عن البلاغة

ربما في فترة من فترات حياتي كنت ضد مختصرات الكتب؛ لأني كنت أعتقد أنها تصد عن الأصل وتقطع الطريق عن المنهل الأصلي؛ ولكن مع مرور الأيام وتسارع الوقت وفتور الهمم أصبحت وجهة نظري أخف تجاه المختصرات، فسبحان مغير الأهواء والقلوب والأحوال.

أطلعت على مشروع (ثمار العقول) من وزارة الثقافة السورية ممثلة بالهيئة العامة للكتاب وفكرته أنهم يعمدون إلى أمّات الكتب من الأدب العربي ويلخصونها وقد قدموا كتبا كثيرة مثل: (المختار من تراث الجاحظ وأبي حيان التوحيدي) و(المختار من أمالي أبي علي القالي) و(المختار من أدب الكاتب لابن قتيبة الدينوري) وأيضا لهم اختيارات من العصر الحديث مثل: (المختار من جبران خليل جبران لمخيائيل نعيمة) و(المختار من النظرات للمنفلوطي) و(أضاميم من أدب طه حسين) وغيرها الكثير.

اقتنيت من هذه السلسلة كتابين وهما (المختار من كتاب دفاع عن البلاغة لأحمد حسن الزيات وأضاميم من أدب طه حسين) وحديثي سيكون عن الكتاب الأول.

لقد قرأت سابقا للزيات كتابه (تاريخ الأدب العربي) بل إني دراسته أنا وصديقي هاني العنزي ردحا من الزمن في أحد المقاهي في الرياض.

ولازمني الكتاب فترة طويلة حتى أني أنصح به من أراد الدخول إلى عالم الأدب العربي فكاتبه كما قيل عنه (من أنصح كتّاب العربية ديباجة وأسلوبا).

أحببت أن أتزود من تراث الزيات فاقتنيت هذا الكتاب (دفاع عن البلاغة) وهو كما يُفهم من عنوانه كتبه الزيات للدفاع عن البلاغة الأصيلة الصافية التي تنطبق عليها عدة معايير ذكرها في ثنايا حديثه، وقد كان آلمه ما وصله إليه حال البلاغة وما تسرب إليها مما هو من غير أهلها وقد قدّم الزيات النقد البلاغي مدعما بالأدلة النقلية والعقلية وأورد نماذج تطبيقية لكثير من الأحكام التي أطلقها.

غلاف الكتاب

مقتطفات من الكتاب:

-البلاغة كسائر الفنون طبيعية موهوبة لا صناعة مكسوبة، فمن حاول أن ينالها بإعداد الآلة، وإدمان المزاولة، وطول العلاج، وهو لا يجد أصلها في فطرته؛ أضاع جهده ووقته فيما لا رجع منه ولا طائل فيه.

الناس كلهم يتكلمون، ولكنهم ليسوا جميعا خطباء.

وقد يُخدع المرء عن طبعه، فيظن نفسه كاتبا وهو معلّم، أو مؤرخا وهو صحفي، أو شاعرا وهو عروضي، أو ناقدا وهو هجّاء، أو قصصيا وهو حكّاء، أو وصافّا وهو محلل.

قد تحب الأدب ككل إنسان، ولكنّ حبّك الشيء ليس دليلا على قوة استعدادك له، فقد يكون ذلك من تأثير البيئة وتغرير الخِلاط، وربما كانت نقائص المرء أحبّ خِلاله إلى نفسه.

-آفة الفن الكتابي أن يتعاطاه من لم يتهيّأ له بطبعه، ولم يستعن عليه بأداته. وأكثر المزاولين اليوم لصناعة القلم متطفلّون عليها، أغراهم بها رُخص المِداد، وسهولة النشر، وإغضاء النقد، فأقبلوا يتملّقون بها الشهرة، أو يزجّون بها الفراغ، أو يطلبون من ورائها العيش، وكل جهازهم لها ثقافة ضحلة، وقريحة محلة، ومحاكاة رقيمة.

آلة البلاغة الطبع الموهوب، والعلم المكتسب.

والمراد بالطبع ملكات النفس الأربع التي لابد من وجودها في البليغ، ولا حيلة في إيجادها لغير الخالق. وهي: الذهن الثاقب، والخيال الخِصب، والعاطفة القوية، والأذن الموسيقية، فإن كنت على يقين جازم من وجود هذه الملكات في نفسك فامض على ضوئها في طلب هذا الفن، فإنك لا محالة واصل.

آلة البلاغة الأخرى هي العلم بمعناه الأعم، أو المعرفة بمدلولها الأشمل، فالكاتب إذا كان ناقص العقل، أو قليل الإطلاع، يدركه الجفاف والنضوب، فلا يكون في آخر أمره إلا سارد ألفاظ، أو مقطّع جمل، ذلك أن معارف الكاتب هي منابع إنتاجه. وألوان المعرفة له كألوان التصوير للمصوّر يجب أن تكون كلها على اللوحة قبل أن يقبض على الريشة. والمعارف لا تستفاد إلا بمواصلة الدرس، وإدمان القراءة.

والكتاب كله نفيس ولو كان الأمر بيدي لنقلته كله، ولكن يكفي من القلادة ما أحاط بالعنق.

يكفي أني دللت عليه، ومن أراد البلاغة فليأخذ الكتاب أو على الأقل فليأخذ مختصره.

الكتاب من القطع الصغير يقع في 87 صفحة من إصدارات وزارة الثقافة الهيئة العامة السورية للكتاب، الصادر عام 2021م

    شارك التدوينة !

    عن Hatem Ali

    اضف رد

    لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

    *