24سبتمبر

ما الذي يحتاجه الكتّاب الشباب؟

بحكم عملي وكيلا أدبيا، تمر عليّ العديد من مسودات الكتب التي يرسلها مؤلفون معظمهم من الشباب الذين يؤلفون للمرة الأولى، وتكون تجربتهم طرية العود؛ وقد أردت من خلال هذا المقال أن أبيّن ما الذي قد يحتاجه هؤلاء الشباب من أجل أن يكتبوا بجودة أعلى، وبمستوى يؤهلهم للنشر.
أرى أن كثيرا منهم معجب بنفسه، وبما يكتب والغريب في الأمر أن معظم المعجبين بأنفسهم وبكتاباتهم تكون نصوصهم رديئة جدا، في حين تجدهم صعبي المراس، متشبثين بآرائهم، يصعب إقناعهم بأن الكتاب بحاجة ماسة إلى تدقيق لغوي أو حتى تحرير.
ثم إن هناك ظاهرة متفشية عند هؤلاء وهي صفة الاستحقاق.. كل كاتب يعتقد أنه يستحق مكانة أعلى من المكانة التي هو فيها.. لا أعلم من أين يأتون بكل هذا الكبرياء؟ هل هناك دكاكين تبيع الثقة بالنفس؟ وكأنهم لم يعرفوا التواضع يوما ما..
إن أي كاتب مهما علا شأنه لابد أن يعلم أن قدميه على الأرض..
وليت شعري لو أنهم يتبعون نمط التأليف كما هو في الغرب؛ فإن الكتاب هناك يتحول إلى مشروع، ومعنى هذا أن الذين يعملون على الكتاب مجموعة أشخاص وليس فرداً واحداً، ابتداء بالمؤلف ومرورا بالمحرر وانتهاء بالمدقق ووصولا إلى الناشر والنقاد قبل صدور الكتاب..
إن المحرر في الغرب يعمل مع الكتاب منذ فكرته الأولى بالتزامن مع المؤلف، وليس بعد الانتهاء من العمل كاملا كما هو معمول به عندنا، وإن حصل وانتهى المؤلف من الكتاب دون أن يرافقه المحرر، فعند الانتهاء يعمد إلى تسليم المنتج إلى محرره، حيث يكون المحرر هنا صاحب صلاحية تخوّله الحذف والإضافة والتعديل، فهذا هو صلب عمله.
ثم إذا انتهى الكتاب يتحوّل العمل عليه للناشر، فيصبح إلى مدونة وموقع إلكتروني وورش عمل وندوات ولقاءات صحفية، وحفلات توقيع.. ليكون هناك حراك ثقافي ترويجي كبير حول الكتاب..
لكن أهم ما في الأمر أن يكون المحتوى الذي يتضمنه الكتاب أياً كان، محتوى ذا جودة وجاذبية تمكّنه من الصمود في وجه أعاصير النقد والترويج العكسي (السلبي)، وهنا أرى أن على الكاتب الشاب أن يقرأ ثم يقرأ ثم يقرأ، في شتى مجالات العلوم والآداب والفلسفات، وإذا انتهى من القراءة يعود لها مرة أخرى، وحينما أقول القراءة فليست القراءة محصورة على الفن الذي يكتب فيه الكاتب؛ بل عليه أن ينوّع في قراءاته فيقرأ في كل المجالات؛ فالقراءة الموسوعية سوف تنعكس على جودة الكتابة.
لكن المشكلة عندنا أن بعض كتّابنا الشباب يفتخرون بأنهم يكتبون دون قراءة، ويعلنون ذلك على الملأ، ويعتبرونها ميزة يُسعدهم الترويج لها، وهذه والله سيئة تُطوى ولا تُروى.
ومن الملاحظ كذلك عند الكثير منهم، الإغراق في الذاتية، فتجده يدور حول ذاته في كل كتاباته، وهذا يبعد النص عن الأصالة أولاً؛ وعن المتلقي ثانياً، لأن الإغراق في الذاتية ابتعاد عن الآخرين.
ونحن الفاعلون في هذه المشهد، نستطيع اكتشاف الكاتب الموسوعي من الكاتب الرديء الذي يلوك أفكاره السخيفة، ويقذفها في وجهنا أوراقاً يُعتد بها.
ويؤسفني أن أقول إن بعض المخطوطات التي تأتي إليّ في الوكالة هي خليط أشياء موجودة على الأوراق، لا اسم لها، ولا طعم، ولا لون، ومن الظلم والإجحاف، بل ومن العار أن تسمى كتباً.
كتابة الكتاب الجيد أصعب من نشره.

تم نشر هذه المقالة في العدد الثامن والثامنين من مجلة فرقد:
https://fargad.sa/?p=19322&fbclid=IwAR1HDtMBLu7tLHnZtMZMk_ZtQ8h6DPSSq6wc-38ufyJYy-lnQMjTcpEJ5qI

    شارك التدوينة !

    عن Hatem Ali

    اضف رد

    لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

    *