9فبراير

سأفضحك يا أبي

لقد كان صادما وبشدة ما قالته البنت عن أبيها بعد وفاته!!

(لم يكن أبي يضيع وقته، ولم يكن يؤمن بأن الفن هو التشرد والتسكع في المقاهي، حتى أنني كنت أقول له سوف أفضحك يوما ما يا أبي، فقد كان مُرتَّباً ومُنظَّماً، وينام مبكرا في التاسعة مساء، ويهتم بشؤون البيت، ويغسل الأواني، ويتدخل أحيانا في أمور الطبخ، وإن تلك الليالي الحمر والخضر ليس لها وجود إلا في دواوينه).

هدباء

هذا كان حديث الهدباء عن أبيها نزار قباني!!

كل هذه السنوات ونحن ننظر إلى نزار قباني على أنه زير نساء، وأنه هاتك أستار الإناث، وأنه دنجوان عصره، ثم نتفاجئ بهذه الشهادة التي قلبت رؤوسنا وجعلت نعيد النظر في قراءة النص الأدبي لنزار، والنص الأدبي في عمومه!!

إنني أفكر لماذا نزار اختار هذه الزاوية الكبيرة في أشعاره في استخدام جسد الأنثى؟ وهل كان لزوجته الحق في أن تقاضيه بناء على ما يقوله في شعره؟

بعد هذه الشهادة: هل المعنى في بطن الشاعر أم في بطن القارئ؟

لقد حدثت سابقة في عصرنا وهو ما حصل مع  الكتاب الفرنسي إمانويل كارييه وزوجته السابقة والذي أبرم معها عقدا في طلاقها، (وكان جزءاً من شروط الطلاق بينهما، أن لا يدرِج حميمياتِهما وحياتها بأي شكل في رواياته ذات الطابع التخييلي الذاتي في أغلبها، وهو الذي كثيراً ما استخدمها أو سخّرها في سرده لأهوائه (الفنية) برضاها أو دون اعتراض منها طالما كانا في العشرة الزوجية. وقد أصرت على العقد معرفة، حسب أقوالها، بمزاجية زوجها ووضعه المرَضي، ما عدا إن أبدت موافقة قبلها موثقة، وهو أمر مستبعد).

الكاتب ايمانويل كاريير وزوجته السابقة

الحمدلله أن هذا القانون لم يكن في زمن نزار وإلا لحوكم بسبب خيالاته في أشعاره!!

وشهادة الهدباء تجعلني أسأل: كم شهادة سنحتاج حتى نغيّر نظرتنا إلى الكتّاب والأدباء والشعراء؟!

أبو نواس كان ماجناً في شبابه؛ ولكن تاب في آخر حياته توبة نصوحاً؛ ومع ذلك ما يزال يروّج على أن أبا نواس، شاعر الغلمان واللهو، والخمر؟!!

متى سنطئمن للتاريخ، والمرويات، والأخبار، والأحداث؟

يقول الدكتور أيمن بدر كريّم في كتابه (الإنسان محاولة للفهم) أن المؤرخين في الأعم الأغلب، يصوّرون آراء الجماعات التي يعيشون ضمنها أكثر من أن يصحّحوها، ويستشهد بجوناثان غراي الذي يذهب إلى أبعد من ذلك فهو يرى أن (التاريخ بأسره خطأ، والأكاديميون راضون عن الحفاظ على هذا الوهم).

العالم أصبح معقدا جدا؛ حتى الخيال تتم محاكمته!!

    شارك التدوينة !

    عن Hatem Ali

    3 تعليقات

    1. العالم أصبح معقدا جدا؛ حتى الخيال تتم محاكمته!!

      الله الله

    2. عرفت يومًا أن التاريخ مبني على الظنّية، ما يظنه الكاتب حقيقي من وجهة نظره يؤرخه مصحوبًا بما رآه دليلًا، هذا إن توفر!

      أظن أن هُناك مُفارقة شديدة بين ما يُنتجه خيال الفنان الداخلي وبين ما يعيشه يوميًا في الواقع الخارجي المحيط.

      قد لا يكون انفصالًا بقدر ما هي -ربما- حالة من الاتصال مع الجانب الآخر للنفس.

      نحن بشرٌ معقدون في تركيبنا، وما نعرفه عنّا أقل بقدر مُحيطٍ مما نعرف. ربما هذا ما يُبقينا ضمن إطار “المَخْلُوق”.. لا أعرف!

      أنا أُحب خيالي لأني أعتبره هو عالمي الجميل الواقعي، ويُذهلني الواقع بطلاسمه الملتبِسَه حتى أظنه هو الخيال بعينه.

      • هذا الكلام يجعلنا نشك في كل شيء سمعناه وربما رأيناه،
        وهذا يعيدنا إلى هل الكتابة من الواقع أو من الخيال؟
        وسيستمر الجدال ما دام أن الأدباء يتأرجحون بين الواقع
        والخيال..

    اضف رد

    لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

    *