كتب الصديق الشاعر يحيى العبداللطيف تغريدة يقول فيها: “ألقط من كبار السن تشبيهات بليغة، منتزعة من البيئة، آخرها من أحد الكبار يقول: (فلان ضو ليف). والضو في اللهجة الحساوية هي النار، ومعنى التشبيه أن فلان كليف النخلة الذي تتصاعد نيرانه وسرعان ما يخمد. وهذا التشبيه كناية عن طيبة قلب الشخص الذي يتسامح سريعا بعد غضب”.
وهذا المعنى متكرر كثيرا في الأدب العربي فيقولون: غضوب غير حقود، وفلان بعيد الغور أي: حقود أو عارف بالأمور، ويقولون أيضا: هو ينظر نظر حسود، ويعرض إعراض حقود.
وقال عنترة بن شداد:
لا يحمل الحقد من تعلو به الرتب…ولا ينال العلا من طبعه الغضبُ
فالحقد في النفوس متأصل في الإنسان؛ ولكن الشريف يخفيه، واللئيم يبديه.
وقيل لبعضهم: ما بال فلان ينتقصك؟ قال: لأنه شقيقي في النسب، وجاري في البلد، وشريكي في الصناعة؛ فذكر دواعي الحسد كلها.
وقد يتطور هذا الحسد إلى الكيد، والكيد في اللغة من المكيدة، وهو الخبث والمكر ولذلك سميت الحرب كيدا كما في اللسان.
وفي بداية عام 1983م اختطف القسم الروماني من الأولية الحمراء السجانة جرمانا ستيفانيني، وكان عمرها آنذاك 70 عاما.
وسرعان ما قدم الخاطفون ضحيتهم إلى محكمة الثورة.
وفي الشقة حيث سُجنت جرت محاكمة سرية حُكم في نهايتها على جرمانا ستيفانيني بالإعدام لأنها قامت
بـ”وظيفة قمعية” وقد أعدمت في 27 كانون الثاني 1983م.
سُجلت مسودة المحكامة على شريط كاسيت. وهذا تفريغه:
-كيف دخلتِ إلى ريبيبيا كسجّانة؟
-لا، دخلت كعاجزة.
-وماذا كنتِ تفعلين؟
كنتُ أوزع علبا على المعتقلين.
-كفّي عن البكاء! على أية حال، هذا لا يعنينا. أكرر، كفّي عن البكاء، إن بكاءكِ لا يثير مشاعرنا أبدا.
وكما قال آلان فنكييلكرو: (قد أظهر هذا القتل اللئيم تفكك (الصراع المسلح) الإيطالي.
فقد كان أنصار الألوية الحمراء، يتحدون الدولة، ويسعون للثأر لرفاقهم المعتقلين في سجن ريبيبيا من امرأة عجوز).
هذه الحادثة تضاف إلى قائمة تاريخ اللاإنسانية في العصر الحديث.
وهذا الحسد والكيد والكراهية الذي كان لدى “الألوية الحمراء” جاء في صورة قتل لامرأة عجوز؛ ولكنه قد يجيء في وقتنا على عدة هيئات قبيحة كالوشاية والنميمة والطعن في الظهر.
ولم ولن تضيق بلاد بأهلها ولكن الأخلاق تضيق كما قال عمرو بن الأهتم:
لعمرك ما ضاقت بلاد بأهلها
ولكن أخلاق الرجال تضيقُ
هناك دروب مضيئة لأخلاق الرجال؛ وكذلك دهاليز معتمة..
وإذا كان كيد النساء عظيم؛ فكيد الرجال مميت.
*تم نشر هذه المقالة في العدد الثالث والستين من مجلة فرقد:
كيد الرجال