ما يعجبني في فن المقالات هو أن أصحاب الشغب الفكري، والقطيع التويتري ليسوا من القراء؛
لأنهم لا يحبّون المطولات ولا الحديث الطويل. تجدهم يتكاثرون حول تغريدة، وينشطون عند مقطع فيديو، وبؤرتهم الرئيسة لدى هاشتاق، وأسأل الله أن يبقوا في هذه الأماكن إلى يوم الحشر والنشور.
أنا هنا في مأمن من غوائل الأحداث، ومن جور الفهم السقيم، ومن سيء الظنون. لو قلت داخل مقالة أن (كورونا) وباء سياسيا أكثر من كونه وباء صحيّا، لم يبالي أحد وستمر المقالة مرور الكرام، لماذا؟ لأن أغلب قراء المقالات من المثقفين، والأدباء، وأصحاب الفكر المنفتح الذي يقبل الاختلاف، ويؤمن بوجود آراء أخرى في هذا الكون غير رأيه الأوحد؛ ولو وجد تعقيب أو رد لجاء في قالب مهذب، وبأسلوب ترتاح له النفس؛ ولذلك كل آرائي الجريئة اكتبها في مقالات؛ ولا يمكن أن اكتبها في تغريدات؛ لأن تويتر كما هو معروف مذبح بشري، ومسرح قسوة، وسكاكين القوم مسنونة تنتظر خاصرة جديدة. ما زلت أحافظ على خاصرتي، وأعرف أنها ربما تطعن في يوم من الأيام؛ لأن لا أمان لمثيري الشغب الفكري أبدا. هناك حظر تجول في تويتر، وميليشات فكرية تعمل على مدار الساعة، همها تصيّد الأخطاء، ويومها السعيد إن جاء أحدهم بزلة لسان، أو موقف حمّال أوجه فسيكون هو الضحية، وهو محط الأنظار إلى أن تأتي ضحية جديدة، وموضوع جديد، فإن لم تجد هذه الميليشيات الفكرية، والدوريات السرية ما يشفي غليلها في الحاضر، نبشوا الماضي من التغريدات أو من الفيديوهات حتى يصنعوا ضحية يستطيعون لكمها، وطعنها، ولعنها أمام مرأى الناس، ليس للاعتبار، وإنما تزجية للوقت وتغذية لنفوسهم المريضة، وإظهار للخواء الروحي الذي يعيشونه.
أصبح تويتر ماخور فكري دنيء، وسوق حراج للأفكار الضارة، تفوح منه رائحة الكذب مسيرة يوم وليلة. لو كان الأمر بيدي لربطت تويتر برقم الهوية حتى يرتدع أصحاب تأجيج المواقف، وناشري الكذب والبهات، ومفتعلي المشاكل. المفترض أن يكتب على تويتر من الخارج: قابل للاحتراق. كل تغريدة تكتب هي قنبلة جيب، وكمين ولو بعد حين. فرز خالد بن الوليد الجيش على حسب القبائل حتى يُعرف من أين يؤتى القوم، ولهذا أنا أطالب بفرز (خالدي) تويتري حتى نعرف من أين نؤتى ومن هم الفئة المحلية التي ألسنتها معنا، وخناجرها علينا.
سأكتب في مذكراتي بعد عقود من الزمن:
وكنت مستخدما لتويتر في ذلك الزمن (عفى الله عني) وكان ذلك من حماس المرحلة، وجهالة الشباب، وعنفوان الفترة، وإني أتوب إلى الله من تلك الفترة؛ ولكن كنا في غشاوة منه، ولم تكن أنشأت (مكافحة تويتر) لأن الإدمان كان خفيا.
احتاجت أمريكا ثم (الأمم المتحدة) إلى تجريم استعمال المخدرات في العلن لعشرين سنة، ثم سنتين إلى تحريمها بالكلية وتجريم الاستخدام الشخصي، ولهذا جاء عندهم في الأدب (الجيل الضائع) جيل الحربين العالميتين، ثم جاء بعدهم (جيل البيت) وإني أتساءل كم سنة سنحتاج:
حتى نجّرم استخدام تويتر؟
تم نشر هذه المقالة في العدد الحادي والخمسين من مجلة فرقد:
مقالة مميزة جدا
وأقيس على تويتر الفيسبوك وانستقرام، استنزفت من عمري سنتين في مستنقع الفيسبوك احاول ان اغير رأي الناس عن القراءة والإبداع، ولكن اللص يبقى لص، وصاحب السوء يجرك الى الوحل الذي نقع نفسه فيه، فاستعضت عن الفيسبوك بالانستقرام وكلي أمل لأن الانستقرام كان في فترة من الفترات ألبوم صور لست مطالبا بالرد على كل صورة ولا تحدد ما تنشر، ولكن مع دخول القراء الجدد لألبوم الصور هذا حاولوا تغيير النمط الذي بني عليه فخرب وخرّب كل من اصابه.
والآن الحمدلله بفضل الله وبفضل مجموعة من الاشخاص المؤثرين هنا وهناك انضممنا الى المدونات وتشاركنا أفكارنا مع المثقفين وتخلصنا من بؤر الفساد هذه.
بوركت