كتاب الجنون والعظمة لعبدالله قدير.
عبدالله قدير طبيب أسنان سعودي وهذا الكتاب باكورة مؤلفاته.
الكتاب يهدف لتصحيح المفاهيم الخاطئة حول الأمراض النفسية بالمجتمع العربي عن طريق ذكر الأمراض النفسية والتعريف بها والتفريق بين كل واحدٍ منها مثل الوسواس القهري والوهم الذهني والرهاب وغيرها.
من أهم القواعد التي أرساها الكتاب هي أن الأمراض النفسية كالأمراض العضوية لها علاقة بالاضطرابات النفسية؛ فالاضطرابات النفسية لها علاقة وطيدة مع جينات الشخص.
(الفرق بين وراثة الأمراض العضوية والنفسية هو أن الأمراض العضوية قد تظهر علاماتها منذ الولادة كأنيميا البحر المتوسط، أو يولد الطفل طبيعيا للغاية، وتظهر عليه الأعراض مستقبلا كالأنيميا المنجلية.
أما الاضطرابات النفسية فهي تحتاج عاملا مؤثرا على الجينات حيث يكون الشخص حاملا للجين المصاب، وعُرضة للإصابة من يوم الولادة ولكن لا تظهر العلامات والأعراض، ويعيش حياة طبيعية حتى يكبر، ويتعرض لبعض الضغوطات الحياتية من البيئة المحيطة به، حينها تنتعش تلك الجينات وتستيقظ، وتبدأ بالتأثير على الشخص سلباً بظهور الأعراض؛ ولهذا معظم الأمراض النفسية تكون نتيجة لعوامل وراثية وبيئية في الوقت ذاته).
ويصرَّح المؤلف برأي صادم إذ يقول: (الأمراض النفسية ليس لها علاقة بمدى تدين الشخص أو فساده).
ولهذا هو يفرّق بين الصحة النفسية والراحة النفسية فالصحة النفسية هي اتزان بعواطف ومشاعر الإنسان، أما الراحة النفسية فهي راحة واستمتاع يجدها الشخص بأمور الحياة كالصلاة والصوم والسفر.
ومن اللفتات المضيئة في الكتاب ما ذكره عن الأطفال وتربيتهم حيث يوضح المؤلف أن الأطفال عقولهم مرنة وليسوا مستقلين بأفكارهم (الأطفال يكبرون بناء على بيئة التربية التي تحيط بهم، ويكبروا على عادات اكتسبوها من تعليم آبائهم وأمهاتهم).
وقد صدق، فقد قال الأول:
والابن ينشأ على ما كان والده
إن العروق عليها ينبتُ الشجرُ
المصابون بالأمراض النفسية هم تحت رحمة تشخيص الطبيب ولذلك الكاتب ينبَّه الطبيب المختص بتطوير دقة الملاحظة وإيصالها أعلى المستويات (فبعض الأمراض النفسية قد تكون متشابهة مع بعضها والخطأ ليس خيارا كيلا يدخل المريض دوامة من الابتلاءات التي لم يخترها نتيجة للأعراض الجانبية الخاصة بالمرض أو بالعلاج الخاطئ).
هذا الكتاب من الكتب التي تهزك هزا وتحرث العقل بمحراث الصدمة، وبتصحيح المعلومات المغلوطة في أذهاننا لعقود طويلة عن الأمراض النفسية بشكل خاص وعن النفس البشرية بشكل عام.
الكتاب عبارة عن خمسة فصول لكن فصل المجتمع جميل رغم حدة القول فيه؛ ولكننا بحاجة إلى مثل هذا الأسلوب كيما نبَّدل ونغيَّر من منظورنا تجاه الأمراض النفسية وأصحابها.
ليتنا ندرك ذلك (فالإدراك نعمة وهبها الله للبشر، فإدراكك الصحة نعمة، وإدراكك للمرض نعمة لتسعى في البحث عن ذوي الاختصاص للعلاج).
ومما أعجبني في هذا الكتاب اللغة الرشيقة التي يمتلكها المؤلف على عكس كثير من الأطباء أصحاب اللغة الجافة المتخصصة.
ومما أجده على هذا الكتاب العنوان (الجنون والعظمة) أعتقد أن المؤلف لم يوفق في هذا الاختيار؛ فالعنوان بعيد كل البعد عن محتوى الكتاب، وإن كان قد قال في الخاتمة (أتمنى أن رحلة الجنون التي كانت تحيط بمعظم الاضطرابات النفسية بعقولنا قد تحوّلت إلى عظمة فهم هذا الخلق، وهذا التكوين المعقد الذي وضعه الله سبحانه بهذه الأنفس)، وكأنه بهذه الأسطر يشي لنا بسبب اختياره للعنوان؛ بيد أن الوسيلة لا تبرر الغاية كما هو معلوم؛ فإن كان ولابد من هذا العنوان فلزاما أن يكتب بخط صغير تحت العنوان الكبير (دليل للأمراض النفسية وتأريخها) أو كلام قريب من هذا.
الكتاب من القطع المتوسط يقع في 189صفحة من إصدارات دار مدارك الصادر عام 1439هـ.