قد وصلني كتاب الأستاذة رباب محمد (واهتز عرش قلبي) ولقد لامس عقلي أكثر من أن يلامس روحي.
ورباب هي كاتبة سعودية عضو النادي الأدبي في الطائف.
الغلاف لا بأس به؛ ولكن لا أعتقد أنه مستوحى من ثنيات الكتاب، وكنت أتمنى لو كان عنوان الكتاب غير هذا العنوان.
لم تعجبني فكرة ألا يوجد مقدمة ولا فهرس.
أعتقد أن تصنيف الوزارة للكتاب في النثر العربي فيه نوع من الخطأ؛ وربما هذا راجعٌ إلى إسلوبها في الكتابة؛ لأنه يبدأ بالمقالة ثم ينتهي كنص أدبي ولابد أن يتم التمييز بين الفنون كيلا يحدث التداخل.
أعجبني كثيرٌ لا يحد من عبارات الكتاب التي لا يوجد لها مثيل وهي بحق علامة مسجلة للكاتبة مثل:
(ليتنا يا أبي نعرف كيف نتحول إلى أشجار)
(بكل معاجم الفقه والشهود والمعاملات الفقهية أنت ورقة مرافعتي الوحيدة في وجه هذه الحياة).
و(عالم مثقوب كالجراب، تطرق جمجمتي بأصابع كالفتيل).
و(أنت محرم على النسيان، أنت جميع أقطابي الجغرافية وإحداثياتي التي تضمن مركز ثباتي ووجودي).
و(من أدرك يا والدي قيمة الصلاة بعد الفوات لم يشغله عن نافلة التطوع شيء).
و(كبسولات النسيان المؤقتة التي يخدر بها الحزانى ذكرياتهم قد أزفت مني).
وهنا يوجد خطأ لغوي: فأزف في اللغة تعني دنا وقرب ولا تفيد المعنى التي ذهبت إليه الكاتبة وكان الأولى أن تقول نفد أو أحد مثيلاتها من الكلمات.
و(كانت آمالك تكبر، والذين تكبر آمالهم يا والدي ينبغي أن يكونوا من العافين عن الناس) وهذا المعنى يعرفه العربي الأول حينما قال:
لا يحمل الحقد من تعلو به الرتبُ
ومن بدائع هذا الكتاب هذه العبارة الرشيقة:
(القرار بعدم التاسمح قرار بالمعاناة)
وأيضا:
(هو شعرة يقين الفتاة في عجينة الشك، هو أولويات المجيء)
و(أنا أمة من المندهشين في جلال تأملك)
و(ولكن حتى البترون والنيترون والإلكترون كانوا يقاسمونني الفزع أحدثوا جميعاً ضجة في داخلي إقليمية الشعولا، كأنما الحرب الأهلية بين أوصالي تدك رحاها صامتة).
أيضا من النقاط الجميلة لدى الكاتبة استخدامها للجموع غير المكررة وهي جميلة مثل: أطيار وأمداء.
وتتضح لديها الخلفية الدينية كثيرا فهي تتكئ عليها والدليل:
(هويت من حالق) و(اغتسال الشمس) الاغتسال مصطلح فقهي، و(يسقط قلبي بين أقدامي كالذبيح)، وإيمانها بالكتاب وبما جاء في سنة المصطفى.
هناك بعض الأخطاء التي آمل التنبه لها وهي:
1-عدم استخدامها لعلامات الترقيم مع أن الكتاب يحتاج لعلامات الترقيم كثيرا، وأيضا استخدامها لبعض العلامات في مواضع غير متوافقة مع دلالاتها.
2-كلمة (هطولات) في صفحة 43 هي جمع خاطئ؛ لأن هذا الجمع ليس في العربية.
3-كلمة (طازجة) في صفحة 53 أعتقد أنها من الكلمات المتداولة على الألسن ولا تصلح أن تضم في كتاب أدبي.
4- في صفحة (30) وردت كلمة (أرفل) والرفل عند العرب هو جر الثوب اختيالا، ولا أجد لها معنى في السياق الذي وضعتها الكاتبة فيه.
وقد تسائلت المؤلفة:
أحياناً يقلقني لو أنساك هل أنا قادرة على نسيانك فعلا؟
وأعتقد أن الإجابة جاءت من نفسها، فحينما ننظر إلى روح الكتابة من اليوم الأول حتى اليوم 22 مايو نرى أن هناك تماسكا عضويا وروحيا بين الحروف؛ ولكن من بداية اليوم الـ 22 نرى خفوتا في الكتابة، وعدم توهج مثل الذي كان في بداية الكتاب ومنتصفه.
الكتاب بمجمله جميلٌ ورائع ويعكس دور الأب في حياة رباب، وفعلا حق لها أن تنعى هذا الأب المعطاء الأب الحنون.
تعتمد في إسلوبها على علوم كثيرة ولكن لا أعتقد أنها ممن يكثر القراءة في الأدب.
لديها اطلاع واسع على العلوم الدينية، والعقلية، والعلمية، وحتى النفسية؛ لكن علوم الأدب ربما أقل العلوم تحصيلا لها.
من كان يملك مثل قلمها ومثل إسلوبها فمن الغبن ألا يكثر في علم الأدب.
هي تكتب بريشة ساحرة وتحتاج فقط إلى القراءة المستدامة في صنوف الأدب.
أنا متأكد أن هذا الاسم سوف يصبح ذا شأن في قادم الأيام.
الكتاب من إصدارات دار تشكيل الصادر عام 2017 ويقع في 96 صفحة من القطع المتوسط.
“أنت محرم على النسيان، أنت جميع أقطابي الجغرافية وإحداثياتي التي تضمن مركز ثباتي ووجودي”??