مما حفظته في كناشتي هذه العبارة:
(النفس في الوطن لا تظهر خبائث أخلاقها لاستئناسها بما يوافق طبعها، فإذا حملت وعثاء السفر وصُرفت عن مألوفاتها انكشفت غوائلها ووقع الوقوف على عيوبها)، وسُمّي السفر سفراً لأنه يسفر عن أخلاق المرء؛ فكاد يتملكني العجب من أناس يكسرون القانون بعد قرار منع التجول ويجاهرون بهذا الكسر أمام الملأ؟ ويدفعني فعلهم إلى التساؤل:
ما الغاية وما المراد من توثيق تخطيهم القانون، ومن إظهار خبائث الأخلاق لاسيما أنهم ليسوا في سفر؟
الطامة الكبرى أن كاسري القانون هم من المشاهير، وجائحة كورونا قد سحبت البساط من تحتهم، ولذلك هم يريدون أن يكونوا محط أنظار الآخرين، ويعيدوا الوهج الذي كان يصحبهم قبل الجائحة، ولو كان هذا الوهج بكسر القوانين، وخرق الأنظمة.
إنهم مرضى الظهور، وشحاذي المكانة لدى الناس.
لقد جاء كورونا ممحّصا ليميز الخبيث من الطيب، وليظهر “مشاهير الفلس” على حقيقتهم الفعلية.
إنهم يريدون أن يكونوا محل عناية الجماهير ولو بشرب “مطهر ” أو لعق “كرسي حمام” أو جلب “حلاق” إلى محل إقامتهم، إنهم توّاقين إلى المكانة السابقة التي كانوا يحظون بها؛ ولكن جاء كورونا ليعديهم إلى مكانتهم الطبيعية وترتيبهم في السلم الاجتماعي الذي يتناسب مع حقيقتهم.
ومن الأمور الغريبة التي تناقلتها وسائل الإعلام في بداية الأزمة – خصوصا في الصين- أن المرضى لا يستجيبون للطواقم الطبية مما يضطر الشرطة الصينية للتدخل وجرّ المريض جرا إلى المستشفى، وأيضا رأينا مريضا يضع لعابه داخل قطار في أحد الدول الأوروبية، وهذا كان مدعاة للتساؤل لماذا بعض المرضى لا يستجيب، وأيضا لماذا بعضهم يحاول أن ينشر المرض؟ الجواب على هذا: لأنهم يشعرون بالرفض الاجتماعي، وبأنهم منبوذين من كل مكان؛ والرفض شأنه خطير على النفس ولذلك تقول إليتسا ديرميندزييسكا: (الرفض الاجتماعي يثير الدوائر العصبية نفسها، التي تعالج إصابات البدن، ويترجمها إلى الخبرة التي نطلق عليها اسم الألم.
هذه الفكرة تخبرنا بشكل أساسي أن المخ في الدماغ لا يفرق بين عظم مكسور وقلب مجروح. الرفض كما تخبرنا يؤلم بالفعل)، ولهذا فالمريض لا يريد أن يكون هو الوحيد؛ إنه يعمل بشعار (عليّ وعلى أعدائي).
العرب تقول: الحرب صبر ساعة، وليست ساعة زمانية إنما ساعة مجازية؛ والمعنى أنها شدة وتزول، وكذلك كورونا سحابة صيف عما قليلا تقشعُ.
كان حبي لك ألفة واعتيادا
وسأنساك ألفة واعتيادا
إذن المسألة تدور حول التعود.
سنعتاد هذا الأمر حتى يأذن الله وحتى تعود الحياة إلى طبيعتها.
مقالة جيدة جدا
بوركت