12أبريل

العزلة الفكرية

إن الإنسان الحديث الحر الذي يريد أن يتحرر من ربقة الألقاب والمذاهب والنظريات فعليه أن يكون حرا في قراءته واستكشافاته؛ لأن القراءة المحضة مع من يتفقون معك لن تفتح لك أبواب المعرفة بل ستغذي لديك العنصرية الفكرية والتي مفادها أنك على صواب والآخر على خطأ.

ومن نافلة القول أن أقول إذا كنت تعتقد أنك على حق فيجب عليك أن تكون منفتحا على كل الآراء والتوجهات والرؤى لأنك إذا كنت كما تزعم -على حق- فحقك هذا سيغلب كل الآراء الأخرى.

الضعيف فكريا هو الذي يكون منغلقا على ذاته ولا يسمع للآخر ولا يسمح له أصلا بالكلام، وكذلك الضعيف فكريا لا يقرأ إلا ما يناسب توجهه ويؤيد أفكاره حتى يؤدي به الأمر إلى المغالطة المنطقية ألا وهي التحيز التأكيدي والذي مفاده (هو ميل الفرد للبحث عن تفسير وتذكّر المعلومات بطريقة تتوافق مع معتقداته وافتراضاته، بينما لا يولي انتباها مماثلا للمعلومات المناقضة له). إن هذا الانحياز يؤدي بالفرد إلى العزلة الفكرية وإلى انتقاء المعلومات انتقاء من أجله تدعيم وجه نظره بصرف النظر عن الدلائل والبراهين القوية الأخرى.

وحينما أقول أن الإنسان يجب أن يكون حرا فإني لا أقصد الانفلات عن الثوابت والانصهار والذوبان عن الأصول ولكن هناك منطقة شاسعة من الأفكار يستطيع الفرد أن يتغير فيها ويتبدل لاسيما إذا كان هذا التغير للأفضل، علما أن الإنسان لا يستطيع لوحده أن يحدد أن هذا هو الأفضل له إلا بمعينات أخرى.

مشكلة المنعزل فكريا في العقل نفسه السابق الذي أوصله إلى هذه المرحلة من الانعزال، ولا يمكن -منطقيا- أن هذا العقل المنعزل سوف يؤدي بالفرد إلى الانفتاح الفكري؛ لأنه لو كان فيه خير من السابق لما أوصله إلى هذه المرحلة؛ ولذلك الفرد بحاجة إلى معينات خارجية كالصحبة الجديدة من خارج إطار الفكر المنعزل السابق، وكذلك كتب جديدة تخرج هذا العقل من سباته العميق، وكذلك السفر، وأشدد على هذه النقطة الأخيرة لأن السفر يفتح آفاقا للعقل لم يتصورها ولم يتوقع أن يشاهدها، وتعينه على التمدد الفكري.

باستمرار يغيّر الإنسان ملابسه وحاجياته ولكن العجيب أن يبقى على أفكاره السابقة مدة طويلة لا يغيّرها ويستخدمها حتى تبلى وتكون غير قابلة للاستخدام البشري.

إن العزلة الفكرية على الحزب أو الجماعة أو المذهب وأنا هنا أقصد جميع الاتجاهات الدينية والفكرية والأدبية لن تؤدي بالفرد إلى خير.

هذا الانغلاق سيؤدي إلى انحسار أبعاد الإبداع وتكرار الأنماط السابقة البائدة، وكذلك فيه عدم مشاركة النتائج المتقدمة من الأطراف الأخرى التي تقدمت على الفرد من جميع النواحي، وعلى جميع الأصعدة.

كما تغيّر ملابسك، غيّر أفكارك.

    شارك التدوينة !

    عن Hatem Ali

    اضف رد

    لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

    *