في الأيام الفائتة كنت أردد دون شعور شطر عنترة (طال الثواء على رسوم المنزل) أردده باستمرار مع عدم معرفتي لماذا قفز إلى حيز الواقع هذا الشطر الضارب في القدم.
وشعرت أن هناك قوة تدفعني إلى قراءة القصيدة كاملة، وكأن هناك الكنز (المعنى) المدفون داخلها، وحينما قرأتها كاملة لم أتلمس المعنى ولا أعلم ما معنى هذا الاستدعاء التاريخي لها، وإن كنت أعلم أنه تزامن هذا الاستدعاء مع رؤيتي لمقطع مرئي للدكتور أنمار بعنوان (تعلم متى ترحل) وكان الدكتور متجليا جدا..
الدكتور يريد من كل واحد منا أن يعرف متى يحين موعد رحيله؛ لأن التأخر في الرحيل يترتب عليه عدة إشكاليات نفسية واجتماعية وحتى جسدية، وإذا لم ترحل من تلقاء نفسك فسيتم ترحيلك رغما عنك، وسيلفظانك المكان والزمان..
جاء هذا المقطع في الوقت المناسب، وفي الوقت الذي أعترف فيه بأني لا أحسن الرحيل في كثير من المواضع..
وكأن الدكتور أنمار يدفعني بأن لا أقف كثيرا على رسوم المنزل، وهنا عرفت لماذا هذا الشطر طرق باب فكري بشدة في هذه الأيام، فلقد تعاون عنترة والدكتور على ألا أقف كثيرا في المنتصف، بل يجب علي الرحيل..
الرحيل هنا بمعناه الواسع في كل مجالات الحياة.. يجب أن أتعلم قول (لا) في وقتها الصحيح، ولابد أن أعرف متى يترجل الفارس. لطالما يأتيني الشك فيما أكتب، وأريد أن أتوقف عن الكتابة؛ لكن الفكرة تكتبني لا العكس..
أنظر للماضي، وإلى كل تلك السنوات في الكتابة، وأقول أما آن أن تستريح؟
وإذا بالقلم يكتب ويكتب ويكتب، فتأتي الإجابة بالنفي؛ فالنص الذي يعجبني لم أكتبه للآن، والكتاب الفريد الذي يرضي ذائقتي لم يخرج للنور، والقصيدة العصماء ما زالت تختمر في مخيلتي، فأنا ما بين ضغط فكرة (متى ترحل) وفكرة ما زال للإبداع بقية.. إن أول تطبيق لفكرة الدكتور هي عدم نشر كتاب في السنة القادمة، وربما يتم تعميم هذه الفكرة إلى السنوات الآتية على رغم وجود أكثر من خمسة مسودات جاهزة للنشر..
يجب أن أتوقف عن الإصدار؛ لكن لا أتوقف عن الكتابة وبين الأمرين بونٌ بعيد..
الكتابة لياقة ولا أريد فقدانها؛ لكن النشر هو تتويج لهذا الركض (الكتابة) المستمر..
وثاني التطبيقات أني طلبت من المجلة أن يكون عمودي
ليس نصف شهريا، بل يكون شهريا، وآمل أن أجد عندهم أذنا صاغية..
يجب أن يساعدوني في عدم (الثواء على رسوم المنزلِ)
تم نشر هذه المقالة في العدد السادس والأربعين من مجلة فرقد: