أرسل لي أحد الأصدقاء أحدث قصائده يعرضها
عليّ -من حسن ظنه- ولطالما كان هذا دأب الشعراء قديما فإنهم بعد وجبة العشاء يستنشد
بعضهم بعضا ويقول الشاعر لأخيه: ماذا أحدثت بعدنا، فينشده.
قرأت القصيدة وقد شدني مطلعها كثيرا حتى حبست أنفاسي، وما إن وصلت للنهاية حتى حزنت وأوغر صدري الختام..
كان المطلع قويا؛ بيد أن الختام كان هزيلا مقارنة ببدايتها، والنقد كما تعلمون على قدر المحبة؛ فعزمت على مجندلة صاحبي نقديا، فناديته باسمه المجرد وهذا بداية النقد، فأجابني: (لبيه يا أخوي) فسقط النقد كله، وطاح الحطب والعتب، ونسيت أمر القصيدة، وقلت لابد أن نغيّر المثل المشهور (ما يفل الحديد إلا الحديد) إلى (ما يفل الحديد إلا الكلام الطيب) وقد قالت العرب قديما: الكلام اللين يغلب الحق البين..
وهذا ذكرني بسائق جيراننا في الحي، فهذا السائق استعين به في حمل بعض الأغراض الخفيفة في أوقات فراغه؛ فقال لي الأسبوع الماضي: (أنا نهاية الشهر روح)، سألته: وهل سترجع، قال نعم ولكن عند كفيلٍ آخر، قلت ولماذا تغير الكفيل يبدو أنه
جيد؟ فقال لي: (هذا شكل بس كويس، بس جوا ما فيه كويس)..
آلمني هذا الرد وعرفت أن افضل سمعة عن العائلة وأفضل شيء يُعرف به البيت هو السائق أو الخادمة، وأعتقد أحيانا من أراد أن يناسب أحدهم فليسأل من يعولون من العمال؛ فإن عندهم الخبر اليقين..
لا نريد أشكالا جيدة فحسب؛ فالله ينظر للقلوب لا إلى الأجسام والأشكال..
أعيد ما قلته سابقا:
الناس تعاني من فقر اللقاء ومُشخّصة بهشاشة حب حادة، وللأسف الدكتور قال بلسانه الفصيح: هناك نقص في كريات العطف الإنساني، وحتما أنتم في حاجة إلى سهولة وسيولة في عملية الاتصال البشري.
عليكم ترميم أدوات التخاطب، وإعادة هيكلة سبل الحديث مع بعضكم البعض؛ لأنه وعلى ما يبدو حدث تهتك خطير في أنسجة الاختلاط مع الناس من الدرجة الأولى، والأمر أصبح أكبر من ضمادة قد تُلّف بها رأس المصيبة، إنها تحتاج إلى إسعاف من فصيلة الكلمة الطيبة النادرة التي يحتفظون بها بنوك الكلمات للحالات الحرجة.
إن حياتنا الحالية تدفعنا إلى أن نكون مواد خطرة لا يُنصح بوضعها في الشمس.
أصبحنا كالمواد المعلبة لها تاريخ انتهاء، والكل يفسد قبل هذا التاريخ بكثير.
وتذكروا ما يفل الحديد إلا الكلام الطيب.