أكثر من 28 لأروى خمّيس.
أروى خميس كاتبة سعودية.
في هذا الكتاب تتحدث الدكتورة عن الحروف العربية وعن دلالاتها ؛ ولكن بطريقة أدبية بالغة الرقة، وبحبكة قصصية تدخل القلوب بلا إذن.
الكتاب جذاب لدرجة أني غبطتها على هذا الإحسان الذي أحسنت فيه سواء بالشكل الإخراجي أو بالمضمون، وهكذا هم أهل الأدب فإنهم يتحاسدون فيما بينهم.
في كل صفحة كنت ابتسم على استدرارها للمعاني من كل حرف، وكيف استطاعت أن تطوّع المآلات وتستجلب هذه الأفكار، وأيضا الرسومات المصاحبة مع كل حرف كانت تعطي نفس الدلالات المكتوبة، فكان الكتاب أشبه بفيلم سينمائي يطير بالقارئ في سماوات الإبداع.
لقد نعتت الكاتبة الحروف بالأصدقاء في المقدمة وتساءلت: لو كانت هي حرفا فكيف ستكون؟ هل هي حرف هوائي؟ أو جوفي؟ أو حلقي؟ إن هذا الخيال الخصب هو الذي جعل أروى تفتح لنفسها آفاقا جديدة في عالم النثر.
قبل كل حرف هناك بيت شعري يبدأ بنفس الحرف الذي ستكتب عنه وكانت أغلب هذه الأبيات غزلية،
على أن ترتيب الأحرف لم يكن أبجديا بل كان ترتيبا عشاوئيا فلقد بدأت بالألف ليس لأنه أول حرف في الحروف الأبجدية ولكن لأنه أول حرف يبدأ به اسمها وثاني الحروف كان الغين وآخر حرف كان الياء المقصورة لأن اسمها ينتهي به.
أنا لا أكيل المدح جزافا؛ بيد أن الكتاب شق طرائق جديدة في عالم الكتابة على الأقل بالنسبة لي.
أحيانا كنت أشعر أن بعض الحروف كتبت بلغة طفولية، وهذا ليس بغريب لأن المؤلفة كاتبة قصص أطفال.
الكتاب كان يتأرجح بين البلاغة القوية، والبساطة في بعض الأحرف التي لا تتجاوز الصفحة.
كانت رقيقة جدا ومتسامحة مع بعض الأحرف وتسبغ على بعض الحروف بردة المديح المقدسة، وبعضها كانت خشنة معها مثل حرف الشين والخاء، ولربما اعتذراها في المقدمة لا يصنع شيئا.
إنها تنظر للحروف وكأن بها حياة أو حياوات.
لقد تجاوزت نظرتها المادية للحروف المرصوصة إلى أبعد من ذلك وجلست تغوص في بواطن الحروف حتى تأتى لها ما لم يتأتى لغيرها.
نحن بحاجة ماسة إلى مثل طرح الدكتورة لاسيما فيما يتعلق باللغة والحروف تحديدا.
الحروف بشكل منفصل وبهذا الطرح لم تخدم بالشكل المطلوب، ولعل الدكتورة بصنيعها هذا تفتح آفاقا لمن بعدها ليسير على خطاها ويذهب لمدى أبعد مما ذهبت إليه، فالخلف يصل أحيانا لنقاط لم يصل لها السلف؛ ولكن دوما الفضل للمتقدم.
أعجبني جدا الإنسياب الكتابي في نهاية حرف القاف، والمواساة الرائعة التي وجدتها عند حرف الضاد، واللغة القوية الآمرة عند حرف الظاء..
مسكينٌ حرف الجيم الذي ارتكب جريمة وفي الصباح كل الجرائد تتحدث عنه..
حقا لقد كان الكتاب أكثر من 28 حرفا..
الكتاب من القطع المتوسط يقع في 147 صفحة من إصدرات أروى العربية للنشر الصادر عام 2018م.