حينما تريد أن تعرف كيف تُكتب القصة على وجهها الصحيح فيمم حيث لبنان، حيث يرقد هناك واحد من عملاقة الفن القصصي على الإطلاق، إنه ت.ي.ع كما كان يذيل مقالاته بهذا التوقيع: توفيق يوسف عواد الأديب الشامل..
دجاجة مفقودة في القن، متواجدة عند الجيران.
هذا الحدث البسيط يحوّله توفيق بقدرته الإبداعية إلى قصة عالية الطبقة..
وهذا هو عمل الأنامل الذهبية تحويل التراب إلى إكسير فني..
القصة:
تفقدت دجاجتي ذات صباح فلم أجدها في القن.
وراعني أن رأيت الديك -الباشا كان يسمّيه أبي- يروح ويجيء ويتنزى ضاربا الحيطان بجناحيه.
ففتحت الباب له وللدجاجات، فسبقها واثبا إلى الخارج وصاح صيحة أشبه بسؤال الملهوف، فردت عليه الدجاجة من صوب الجيران. فرفع رأسه ملوحا بعرفه، وأتبعها بصيحة ثانية فثالثة وهي ترد عليه كالمستغيثة، وهو ما يفتأ يصيح، ويجول ويصول، باحثاً عن مصدر الاستغاثة.
حتى اهتدى إليه في الجلّ خلف بيت الجيران.
كان طانيوس خصمي في المفاقسة، قد أخذ الدجاجة وربطها عنده إلى جذع توتة لتبيض له البيضات الثمينة، وهي تتخبط في قيدها وتحاول الإفلات فلا تقدر، وكان الديك قد وصل إليها فأخذ يضرب الخيط بمنقاره ويلتفت إليّ في غضب كأنه يقول لي: ماذا تنتظر؟ وكنت في الواقع انتظر خروج طانيوس، وأنا ارفع صوتي باسمه: يا طانيوس يا واطي يا حرامي فيختلط صياحي بصياح الديك بصياح الدجاجة، في مشهد خرجت له أمي وخرج الجيران، ما عدا طانيوس يسألون ما الخبر.
وفككت رباط الدجاجة، فرجع بها الباشا مظفرا وضمها إلى حريمه، ترحب الضرائر بعودة المخطوفة سالمة ويحمن حولها مرفرفات.
وكنت قد بادرت كيس الزؤان، فأبى إلا أن يختار السمينة من حباته، فأخذها بمنقاره وحطّها أمام دجاجتي-دجاجته.
فانحنت تلقط، فدار وعلاها، مصفقا بجناحيه الذهبيين، مع قبلة على عرفها أودعها كل حُبّه، وأنا انظر لا أدري والله من منّا، نحن الثلاثة صاحب العيد..
فعلاً فن قصصي رااااااائع ..
أستمتعت في القراءة كثيييراً ..
سلمت أناااااملك أ/توفيق ..
إنتقاء موفق أ/حاتم ..