كتاب النوم إلى جوار الكتب للؤي حمزة عباس.
لؤي حمزة عباس قاص وروائي عراقي.
هذا الكتاب ليس سيرة ذاتية بل هو وصف لرحلة المؤلف الطويلة مع الكتب والكتّاب بلغة شاعرية فذة.
إنه يربك الحاسة ويستدعي الشعور بإثارة سؤال:
(هل تبدو السكين مجازا واسع القدرة في التعبير عن الفترة الراهنة وهي توحَّد بين الفكر والكفر بدليل أن حروفهما واحدة؟).
يتحدث عن الصمت بغرائبية شديدة فيقول: (الصمت لن يعني بالضرورة تأجيل الاستماع أو تحويل انتباهنا عما يتصاعد حولنا من أصوات، إنما هو الفرصة المثلى لنكون بعضا من تلك الأصوات الخفيضة وهي تنظم بتكنيكها العالي عبقرية العالم).
إنه يُعطي الصمت القدرة على إدارة العالم وعبقريته.
لؤي يعطي إجابة بليغة عن ماذا يمنحنا الأدب؟
(يمنحنا الأدب مناسبة نتأمل فيها العابر الخفي من وقائع حياتنا).
يتفق مع بول فاليري في تعريف القصيدة بأنها لن تكون سوى (تطوير للتعجب) بل يزيد على ذلك بقوله: (الدهشة معدن الشعر وجوهره الذي لا يستعاد).
ثم يتحدث عن جثث بشرية في الهند يتم تنظيفها ثم تعطيرها ليتم بيعها على الجامعات من أجل الشروحات العلمية (لقد دخلوا على الموت من أبواب متفرقة.
ثم تُعطَّر إيذانا بتحوَّلها إلى مادة مفرغة لا تربطها بأصلها البشري أية ذكرى بعيدة أو عاطفة).
يقول (الحلم مجال الحرية الأمثل) وكأنه بذلك ينفي الحرية في واقعٍ ينام على صوت الدبابة ويقوم على صوت القنبلة.
إنه يستدَّر الحلم حتى في عاطفته مع الراديو فيقول: (مع الراديو فحسب تحضر فكرة أن يستمع من نحب للإذاعة نفسها في الوقت نفسه، وقد أصبح للحلم أوقاته التي منحها الترانزستور مجالا للتفتح والإزدهار).
لا أعلم فائدة للحرب سوى التي ذكرها المؤلف:
(الحرب توطد ارتباطنا لما نحب).
وهي فائدة حبلى بالعجائب.
ومن أجمل ما ذكره المؤلف تلك العبارة الرائقة التي ترن في ذهنه منذ ما يقارب خمسة وعشرين سنة (قد يضطر الكاتب في أحيان أن يستعمل دلوه الداخلي الخاص للوصول إلى مياه الآخرين العميقة).
وهذه عبارة جامعة نافعة تجلّي لنا لماذا الكتّاب يكثرون في كتبهم من الاستشهادات من كتّاب آخرين؛ لأن ميحك من مياه الآخرين يُعطي بعداً آخراً لقولهم ولعله يكشف أبعاداً أخرى من كلام المرء نفسه.
يرى أن القصة خلاصة، خلاصة شعورية وخلاصة نظر وقول، وهو يفرّق بين الشاعر والقاص؛ فالشاعر يتغنى في جلّ أوقاته بأمجاد القبيلة؛ أما القاص فإنه يحكي عن طبيعة الإنسان وسموّه واندحاره، وما بين السمو والاندحار.
أرى المؤلف أنه كان دقيقاً جداً وواضحا في نثر صمته المكتنز المحاط بأصوات متهدجة وصراخات مكتومة.
يتحدث عن شخصيات معاصرة له وشخصيات سالفة كأم كلثوم ونجيب محفوظ وعبدالزهرة زكي والسياب وعمار داود وفؤاد التركلي وغيرهم.
هو وصَّاف من الدرجة الأولى انظر حينما يصف حسين عبداللطيف وكان حسين لا يحسن حلاقة ذقنه ولكنه رآه مرة واحدة وقد أحسن الحلاقة فقال: (ولكن هذه المرة أتقن حلاقة ذقنه فعرفت أنه يتزين للموت).
الكتاب من القطع المتوسط يقع في 108 صفحة من منشورات دار شهريار-دار الرافدين الصادر عام 1438هـ.