أهل الصناعة، صنعة الكتابة يسمّون العنوان العتبة، عتبة النص، أو عتبة الكتاب ككل؛ ولهذا فالعنوان مهمٌ جدا لجميع أنواع الكتابة بداية من الكتاب ومرورا بالقصيدة ووصولا للقصة القصيرة جدا. هناك كثير من الضوابط التي تحتفي بالعنوان ولكن لعل من أهم هذه الضوابط خصوصا للقصيدة والمقالة: ألا يكشف العنوان الفحوى، وتصبح القصيدة مبتذلة للقارئ؛ لأن العنوان أحرق الجهد المبذول في الكتابة. لفت انتباهي كثير من عناوين الكتب التي اقرأها، وهي في غاية الغرابة إما لمضمونها أو عدم فهمي للترابط بين الاسم والمسمّى أو للندرة في التخصص مثل كتاب الأسد يبيع سيفه المقوس.
أسد وسيف وهناك بيعٌ أيضا، ولا تنتهي الغرابة هنا بل هناك تحت هذا العنوان الكبير، عنوان صغير وهو: حكايات شعبية من زائير، ليكتمل لك عقد الغرابة الحقيقية؛ فالحكايات من زائير وشعبية كذلك.
الكتاب الآخر الذي ما زلت أتذكره إلى الآن وهو بحر الدم فيمن تكلم عنه الإمام أحمد من مدح أو ذم، المحقق عجز أن يفهم لماذا جمال الدين الحنبلي أتى بـ (بحر الدم) حتى أدّاه اجتهاده إلى القول بأن المؤلف يحب الجناس جدا ومؤلفاته الأخرى شاهدة بذلك، ولقد لوى عنق الكلمة وأتى بها دون حاجة ودون معنى فقط ليحصل له الجناس، وهذا شيء عجاب.
وهناك كتب تجذبك عناوينها حتى إذا قرأتها لم تجد الداخل يعكس الخارج مثل كتاب (تنبيه العقلاء للحذر من الأصدقاء) فلقد فعلت الأفاعيل حتى ظفرتُ به؛ لأني أريد الحذر من أصدقائي، وهم بالفعل أهلٌ للحذر منهم؛ ولكن الكتاب لم يزدني إلا حيرة، فلا أدري هل أتشبث بأصدقائي أم أهجرهم، فمن خلال القراءة تبيّن لي أن هذا العنوان هو من صنيع المحقق، وأما العنوان الأصلي للكتاب فقد كان (سلوان المطاع في عدوان الأتباع) والكتاب جمّ الفوائد، كثير الحكم؛ بيد أنه لا علاقة له بالأصدقاء على حسب فهمي القاصر.
وأما كتاب الكرسي لمبارك سالمين فهو ديوانٌ عجيب، وقد كان هذا الكتاب نقطة تحوَّل في الكتابة عندي فلقد أعطاني رؤية مغايرة لما قد تعوّدت على قراءته وكتابته، وربما هذا الامتداد في التغير تزامن مع قراءتي لكتاب أنا أتغير لليف أولمن، والغريب هنا ليس العنوان بل المؤلفة فهي ممثلة هوليودية؛ لكنها أتت بما لم يأتي به الأدباء.
العنوان عتبة: لا تكسر هذه العتبة.
نشر في مجلة فرقد الإبداعية التابعة للنادي الأدبي بالطائف العدد الرابع والعشرين:
https://fargad.sa/?p=13343