الأخلاق مألوفات اجتماعية وهذه نقطة ثاقبة يجب أن نتوقف عندها كثيرا..
إذا اتفقنا على أن “الأخلاق مألوفات اجتماعية” تصالحنا مع الجميع، وقبلنا الآخر بكل ما اختلافه عنا..
المشكلة الكبرى التي نشأ عليها أغلبنا هي تغذيته منذ الصغر بأننا “الفرقة الناجية” في كل مجالات الحياة حتى في المجالات الدنيوية..
وهذه الفكرة يمكن قولبتها حسب المناخ والطبيعة..
فقبيلتنا أفضل من القبيلة الأخرى، ومدينتا خير من المدينة الثانية؛ بل نشأت خيرية جديدة هي خيرية الأحياء، فالحي الفلاني هو أفضل من الحي الفلاني..
هذا المعيار، معيار التفاضل هو الذي يؤسس إلى العقد الفكرية، والعقد الثقافية التي يصعب فكها فيما بعد..
إنها عصابة العينين بالنسبة لنا لا للحصان..
لا يوجد شيء في علم الأخلاق اسمه صواب مطلق، بل هناك نسبة صواب أراها أنا في الموضوع حسب مألوفاتي الاجتماعية، وأنت تراها حسب مألوفاتك الاجتماعية..مثل الدكتور الإيطالي الذي ذهب إلى أمريكا، وصار هناك صدام ثقافي منذ الوهلة الأولى حيث أن الإيطاليين مجتمع حميمي جدا وهم يصافحون كثيرا، ويحتضنون بعضهم كذلك بشكل كبير حتى بين الرجال، هذه الحميمية قد يعتبرها الأمريكان متجاوزها لحدودهم الأخلاقية والأدبية..
يقول الدكتور: أصبح لدي شخصيتين: شخصية في الحي الإيطالي، أمارس فيه مألوفاتي الاجتماعية بكل حرية، وشخصية أمريكية تناسب مألوفاتهم الاجتماعية..
وهنا يبرز تساؤل: أيهما أصح: المألوفات الايطالية، أو المألوفات الامريكية؟
الجواب: هذا السؤال خاطئ برمته، إذ يوحي بأن هناك راجح ومرجوح، ولا يوجد هذا في علم الأخلاق..
المشي مع يدين متشابكتين في أمريكا بين الرجال يعد خطيئة أو على الأقل أنهم شواذ جنسيا، بينما في إيطاليا كما في عالمنا العربي يدل على عمق الصداقة بين الرجلين..
هناك مثل سوداني يقول: (اللي ما شاف البحر يغرق في الترعة) والترعة هي البحيرة الصغيرة، وكذلك الإنسان من الممكن أن يغرق في أصغر “ترعة” أخلاقية إذا لم يكن واسع الأفق، رحب الصدر، عالمي الأخلاق..
كما يوجد في بعض المحلات ركن اسمه “الأكلات العالمية” هناك ركن اسمه “الأخلاق العالمية“..
في قبيلة سورما في اثيوبيا يضعن الفتيات قرصا كبيرا جدا في شفاههن السفلية، وكلما كبر حجم القرص كلما كان ذلك زيادة في الجمال!
ربما لن تتقبل الأمر لأنك لست فردا من القبيلة؛ ولكن لو نشأت هناك سترى أن هذه العادة فعلا جميلة لأنها باختصار مألوفة لديك منذ الصغر..
ولقد تحدثت سابقا عن: ماهو معيار الجمال؟ في هذا المقال: ما هو الجمال؟
تم نشر هذه المقالة في العدد السابع والخمسين من مجلة فرقد:
الأخلاق مألوفات اجتماعية