12أكتوبر

اللهم أرني الأشياء كما هي

ما أزلت أحرث عقلي في دعوةٍ سمعتها وهي (اللهم أرنا الأشياء كما هي)..
دعوة صادمة، دعوة تزيح الأوهام من على عقولنا لنرى الأشياء كما هي لا كما نتمنى دون زيادةٍ أو نقصان.
إني أشعر أن هذه الدعوة لو تحققت ربما ستكون قاسية؛ لأننا سنهدم ثلّة من أوهامنا وأحلامنا ومشاعرنا.
لو بدت الأشياء على حقيقتها لظهر لنا سخفنا ونقصنا وقلة حيلتنا  أمام مخاوفنا وأمام محبوباتنا وأشياؤنا المشتهاة..
إننا نضفي على المحب هالات وقداسات ليست فيه، ونطبع على أعدائنا صفات لا تشبهه فلماذا؟ لأننا نريد أن تسير الأحداث والشخوص  والأمارات حسب مفاهيمنا وحسب قيودنا العقلية.
نحن نرى الأشياء كما نحب؛ لا كما هي في حقيقتها.
وابن الجوزي في صيد الخاطر يقول عن (اللهم ارنا الأشياء كما هي):
(هذا كلام حسن الغاية وأكثر النَّاس لا يرون الأشياء بعينها فإنّهم يرون الفاني كأنه باق ولا يكادون يتخايلون زوال ما هم فيه وإن علموا ذلك)، وأنا لا أعتقد أن هذه الدعوة حسنة، ففي بعض الأحيان لا أريد أن يُكشف المستور، وتظهر النوايا، ويخرج الخافي..

الشيء المغطى، هو أجمل بغطائه، فلماذا أدعو الله أن يكشف هذا الغطاء ويريني ما تحته؟

لدينا في الجنوب مثل محلي يقول (كل مغطى مليح) لأنه مغطى فهو مليح، فلماذا أزيل بإرداتي هذه الملاحة؟

أنا أؤيد في بعض الأمور أن تبقى ملاحتها فيها دون تغيير..

لا أريد أن أعرف  خوافي القلوب، ولا بواطن المشاعر، ولا نوايا المارة..

كيف لو عرفت مشاعر مديري تجاهي، أو باطن مشاعر ابني عني، أو نية والديّ فيَّ؟

بما أنها لم تظهر، فلم أظهرها من ماعونها؟

لا أريد أن أحرك الساكن، وأسكّن المتحرك على أن من الأمور المساعدة لرؤية الأشياء على حقيقتها هو السفر؛ لأن السفر يريك ضآلة المساحة التي تشغلها آلامك في العالم، ويعيد ترتيب المهام والأولويات في حياتك..
العقل البشري لا يتقبل الحقيقة على وجهها الصحيح حتى لو عرف أنها الحقيقة “قيلت لك الحقيقة عدّة مرّات..أنت من اعتبرتها زلّة لسان”

قد تكون الدعوة الصحيحة هي: اللهم أرني الأشياء كما هيا في وقتها الصحيح؛ لأن عامل الوقت مهم في تبيين حقيقة الأشياء، لا في الوقت الذي نطلبه نحن..

أنا لا أطلب من الله أن يريني شيئا هو لم يرد أن يريني إياه ابتداءً..

لكل شيء في هذه الحياة إشارات، واللبيب بالإشارة يفهم..ولعلني أكون من ذوي الألباب..

    شارك التدوينة !

    عن Hatem Ali

    تعليق واحد

    1. اللهم الستر

    اضف رد

    لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

    *