كنت اقرأ كتابا عن سقراط ابن سفرونسكس وكيف أنه جرؤ على السؤال، وهو الذي لم يكن يرضَ بأي إجابة؛ وهذا الذي جعل (لماذا؟) تكثر على لسانه.
شدتني قصة وردت في الكتاب أنقلها كما هي:
(ومن الخطر كذلك أن يتوافر للمرء مزيد من الحظ السعيد، وقد رويت لسقراط قصة ما حدث لبوليكراتس من أبناء ساموس برهاناً على ذلك.
كان بوليكراتس حاكما قويا عى الجزر الشرقية، منذ سنوات عديدة، وكان ثريا موفقا في كل ما أدى من عمل حتى استرعى التفات فرعون مصر، وعقد معه حلفا؛ بيد أن فرعون مصر كان يخشى أن تغار الآلهة مما أصاب بوليكراتس من حظ سعيد؛ فنصحه أن يستخرج أثمن ما يملك ويلقي بها بعيدا، لكي يصيب قسطا من سوء الحظ فيتجنب بذلك غضب الآلهة.
وظن بوليكراتس أن هذه النصيحة فكرة طيبة، وبعد ما بحث في كل كنوزه استخرج خاتما، صاغه من الذهب صانع ماهر معروف وأودعه فصا من الزمرد، وكان ذلك أغلى ما يملك.
وفي سفينة من سفن الدولة يدفعها خمسون مجدافا أقلع إلى مسافة بعيدة من الساحل وألقى بالخاتم في أعماق المياه.
وخُيّل له أنه بات من بعد ذلك في أمان.
وجاء ذات يوم إلى باب القصر صائد سمك يحمل سمكة جميلة صادها ذلك الصباح، وكانت من الجمال بحيث لم يرض أن يبيعها لرجل من عامة الناس، وأتى بها هدية لبوليكراتس، وسَرّ بوليكراتس بالهدية وبالثناء، ودعا الصائد للغداء، وأمر أن تعد السمكة للطهو؛ ولكن ما إن فتحها الطهاة حتى أذهلهم أن يجدوا بداخلها الخاتم عينه الذي حاول بوليكراتس أن يلقي به في اليم.
ولما سمع فرعون مصر بعودة الخاتم فَصَمَ في الحال صداقته مع بوليكراتس؛ إذ أنه بات من الجلي أنه رجل تعد له الآلهة مصيرا مريعا.
وكان ذلك ما حدث؛ فسرعان ما قتل بوليكراتس بقسوة وتمزقت إمبراطوريته.
إن الإلهة لم تعف عنه لوفرة ما أصابه من حظ سعيد) انتهت القصة.
ما هذه الإلهة الدنيئة التي تعاقب من أجل وفرة الحظ السعيد؟ أليس الحسد من طبائع الأرضيين ولا يليق بالآلهة؟
وإني أعجب من مرور مثل هذه القصة على المترجم دون تعقيب في الهامش، لماذا كثير من المحققين والمترجمين يمّرون مثل هذه القصص وغيرها مرور الكرام دون أي ملاحظة؟
لابد أن تكون القراءة واعية، وفاحصة، وناقدة، وأي صطدام في النص الأصلي مع ما يعتقده المترجم أو المحقق يتم توضيحه، لا نريد كتب (نسخ لصق) بعجرها وبجرها.
يجب أن تكون شخصية المترجم واضحة في العمل الذي يعمل عليه، ويلام إذا ترك مثل هذه القصص على حالها.
ترابيون تلك الآلهة التي تغار وتحسد إنسانا وتعاقبه وتمزق إميراطوريته من أجل وفرة الحظ السعيد!
*تم نشر هذه المقالة في العدد التاسع والثلاثين من مجلة فرقد: