18مايو

الجيل العائر

أرى أننا كجيلٍ عائر مقصرين جدا في استخدام مخترعات العصر وعدم إدخالها في كلامنا وخصوصا في دعواتنا.

الجيل العائر هذه التسمية التي أطلقها علينا الأستاذ أحمد يوسف السيد في كتابه الجيل الصاعد، وهذا الجيل له فترة زمنية محددة لن أذكرها، ومن يهتم للفترة الزمنية فليراجع الكتاب، والعائر هنا بمعنى التردد كما قال في اللسان: العائر المتردد، وبه سمي العَير لأنه يعير فيتردد في الفلاة، ونحن الجيل العائر مترددين بين الجيل السابق والجيل الصاعد.

استعمال الدعوات القديمة في العصر الراهن قد لا يكون مفهوما ولا يدري السامع ما وجه الخيرية في هذه الدعوة مع مقتضى الحال؛ فعوضا عن قول: أدام الله ظلك، قل: زاد الله عدد متابعيك، وبدلا من قول: لا كبا بك الفرس، قل: لا هشتقك الناس، وإذا أردتَ أن تدعو لأحدٍ بالقبول عند الخلق فارفع يديك قائلا: رزقك الله النجمة الزرقاء، وإذا أحببتَ شخصا حبا جما فقل: كثر الله معلنيك.

فأنت كما ترى وتسمع هذه الدعوات مفهومات واضحات، ولها أثرٌ في واقع السامع، وأما قولك للرجل: أبو ضيف، أو أبو الأضياف كناية عن الكرم فهذا بعيدٌ عن هذا الجيل العائر والصاعد؛ فالكرم الآن غالبا يكون بإعادة تدوير تغريدة، وإعلان بالمجان لمدة ثلاثة أيام بلياليهن.

الناس لم تعد بحاجة لرحلة الشتاء والصيف؛ بل هم بحاجة لمعرفة مشاهير مواقع التواصل حتى يأتيهم رزقهم رغدا.

إيقاف الخدمات حاليا أكبر على المرء من هجاء الحطيئة للزبرقان بن بدر، ووضعك في قائمة الممنوعين من السفر، أشد أثرا على النفس من وقع الحسامِ المهندِ.

إن دعوتك لصانع المحتوى بزيادة عدد الاشتراكات في قناته أحب إليه من (مفطح) على صحن.

لقد تغير مفهوم الكرم والضيافة وحتى الدعوات في عصرنا الحاضر ويجب على المختصين أن يدرسوا هذه النازلة على غرار النازلة الفقهية والنازلة القضائية والنازلة العدلية.

إذا تابعك أحد المرموقين والمشاهير ومن يشار إليهم بالبنان، فإن رد المتابعة صار من التهذيب واللباقة، وحسن التعامل، وفهم عنصر مهم من عناصر العلاقات العامة.

وبسبب هذه اللباقة المزعومة وغيرها من الأسباب استحدثت مواقع التواصل خاصية الكتم أو الإصمات بمعنى أنك تتابع هذا الإنسان بسبب المجاملة ولا غير؛ لكنك حقيقة لستَ مهتم للمجال الذي يكتب فيه، وإنما جمعتكم الصدفة أو القرابة أو العمل ولابد من المداهنة في المتابعة، فتوفر لك هذه الخاصية عدم مشاهدة نشاط حسابه في الخط الزمني لديك.

ادعوا لي –إن كنتم تحبوني- وأخالكم كذلك بأن يكّثر الله عدد طوابير المعلنين لديَّ، فإن المعلنين الآن هم قناطير الذهب والفضة.

 

ويمكنك سماع المقالة من هنا:

https://soundcloud.com/hattemali/4h3d6kk4ohum

    شارك التدوينة !

    عن Hatem Ali

    اضف رد

    لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

    *