في العيد أندهش كل مرة من ذلك التنوع الفاتن الذي يظهر فجأة بعد أسابيع من رتابة الحياة اليومية وكأن العيد يأتي ليذكرنا بأن العالم أكبر من صمتنا الذاتي وأعمق من حدودنا الضيقة.
في زحام التهاني والعناق المقتضب تتجدد دهشتي: كيف يمكن لكل تلك الشخصيات المختلفة بعاداتها ولهجاتها وحتى ضحكاتها أن تلتقي تحت مظلة يوم واحد؟ أشعر كأنني أُعيد اكتشاف البشر في كل مصافحة وفي كل سؤال عن حالك وفي كل نظرة تحمل ظلالا من الحنين والفرح.
بلا شك أن العيد هو زمن اللقاءات وتجديد العهد مع الأحبة والأصدقاء والعائلة لكنه أيضا اختبار صامت لأفكارنا وتيارنا الفكري.
ما كنت أظنه “مؤكدا” بالأمس يتلاشى أمام ذلك الفيض البشري: وجوه تحمل قصصا أخرى وعقول تسأل أسئلة لم تخطر لي من قبل وأرواح تهديك فتاتا من خبرتها دون وعي منها وآخرين يجرونك إلى سجن فكرهم الضيق!
أجد نفسي مشدودا إلى فكرة أن العيد تمرين خفي على تقبل الاختلاف واحتمال أن يتوسع القلب في كل مرة يقابل فيها شخصا جديدا.
العيد تمرين للياقة الفكرية ومضمار لأفكارك وأفكار الآخرين.
لا ينبغي أبدا أن يتحوّل جو العيد إلى مناظرات وإلى إثبات صحة أو خطأ الآراء وإنما يجب أن يكون جو مليء بالصفاء والنقاء ومحاولة “تمشية” الأمور حتى ينتهي العيد بسلام.
ليس مطلوبا منك إقناع الآخرين بصحة آرائك والعكس صحيح؛ الواجب احترام جميع الآراء والاختلافات واستشعار أن العيد يجب أن يكون للفرح ولا شيء غيره.
يبدو لي أحيانا أن هذه اللقاءات المتفرقة تعلمنا أكثر مما تفعله الكتب: تجعلنا ننظر للحياة بعينين جديدتين في كل محادثة جانبية في المجلس.
تمنحنا تلك المرونة التي تخفف صلابة آرائنا وتزرع فينا فضولا غريبا لاكتشاف البشر مجددا.
العيد -حين يعاد مشهد اللقاء عاما بعد عام- يصبح مثل مرآة متجددة: تكشف لنا ما نحب وما نكره وما فقدناه وما اكتسبناه وكيف نبدو للآخرين حين نخرج من أنفسنا.
وربما هذا هو أجمل ما في الأمر: أن نكتشف ونحن نضحك ونأكل ونسلّم أن الإنسان لا يكتمل إلا حين يختلط بغيره وحين يرى أن كل تلك الفوارق التي قد ترهقه في أيامه العادية يمكن أن تصبح في لحظة واحدة سببا للدهشة والفرح.
العيد لا يقدم لنا إجابات نهائية عن العالم لكنه يفتح بابا صغيرا لأمل جديد مفاده: أن الاختلاف الذي نخافه قد يكون هو ما نحتاجه فعلا وأن لقاء الناس هو ما يجعلنا نتذكر دائما أن للحياة وجوها كثيرة وأن كل وجه منها يستحق التأمل ولو للحظة.