3مايو

أين الجناة؟

كل الذين قابلتهم في حياتي هم ضحايا لم أقابل الجاني أبدا!!!
سافرت 28 دولة حول العالم ولم أتمكن من رؤية شخص يعترف بأنه المخطئ.
قابلت الأبيض والأسود والطويل والقصير والسمين والنحيف والآسيوي والعربي والغربي والخليجي والأفريقي والمؤمن والكافر والملحد والمتشكك ومن كل الأعراق والأديان والمذاهب وكلهم اشتركوا في صفة واحدة أنهم يشكون ظلم الآخرين.
هل هي دعوة أمي لي بأن يبعد الله عني “أولاد الحرام” ولذلك كل الذين أقابلهم “ملائكة”، أين الشياطين؟
أين القساة والغلاظ الذين نسمعهم في قصص المجالس؟
أين آكل مال اليتيم؟ أين الخائن مع زوجته؟ أين مغتصب الأراضي ومختلس الأموال؟ أين النمام ومشعل الحروب؟
قابلت ليلى ولم أشاهد الذئب!
يا سبحان الله كم هو مدهش هذا الغياب الجماعي للذئب من الحكاية!
تسمع نفس القصة هنا أو في الهند أو في الصين أو حتى في زائير: كلمات مختلفة ودموع ملوّنة لكن الجوهر ثابت: أنا مظلوم!
يجب على الكنيسة الكاثوليكية أن تغلق غرفة الاعتراف: لأن وعلى ما يبدو الأرض طهّرت نفسها من الآثمين!!
ليس الأمر أنني أبحث عن شر محض أو أتمنى لقائه؛ لكن ثمة شيء مريب في هذا التناغم البشري على براءة الذات!
الإنسان لا يحب أن يتهم نفسه ولا يحب أن يفكر بأنه ربما جرح أحدهم أو أنه كان سببا في ألم لم يدوّن في سجلات الألم الرسمية.
كل فعل مبرر وكل ألم مشروع وكلنا على ما يبدو ضحايا.
صرت أؤمن بأننا نخفي حقيقتنا خوفا من أنفسنا لا خوفا من الناس لأن رؤية الوحش في داخلنا أصعب بكثير من أن نراه في الآخرين.
في داخل كل منا مسرح صغير نؤدي عليه دورنا المفضل: دور الضحية.
وليس كل من نجا من الذئب كان حقا الضحية، ربما يكون ذئب آخر!
بعضهم يشكو ظلم من فوقه ويفرّغ ذلك بظلم من تحته كالخشبة التي تشتكي من المسمار والمسمار يشتكي من المطرقة وهكذا.
كلما عدت إلى غرفتي ليلا ورأيت وجهي في المرآة لا أملك إلا أن أتسائل:
كم مرة كنت الذئب وأنا أحكي القصة كما تناسبني؟
فكرة أن الشر قد ينام إلى جواري أو أنني قد أكون أحد فصوله كانت دائما صعبة التحمل.
قد يكون الدرس الحقيقي ليس أن أمي دعت لي فنجوت من أولاد الحرام: ربما تعلمت كيف أنظر إليهم دون أن أدرك أنهم في الغالب: يشبهونني.

والسؤال الوجودي لنا جميعا:
هل فعلا لم نقابل الجاني؟
لا أظن أننا سنقابل الذئب وجها لوجه:
لأنه على الأرجح يشبهنا كثيرا.

رجاء أي معلون أو جاني أو مخطئ فليراسلني فورا لأني مللت من سماع القصة من جانب واحد.

    شارك التدوينة !

    عن Hatem Ali

    اضف رد

    لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

    *