11مارس

كيف أصبح الطعام لغة الشعوب؟

لطالما تجاوز الطعام دوره الأساسي كوسيلة للبقاء ليصبح جسرا يربط بين الثقافات والشعوب.

في العصر الحديث تحولت تجربة تذوق الأطعمة المحلية إلى عنصر أساسي في صناعة السياحة حيث يسعى المسافرون لاكتشاف نكهات جديدة تعكس تاريخ وتراث البلدان التي يزورونها.
تظهر التقارير الحديثة نموا ملحوظا في قطاع السياحة الغذائية؛ فوفقا لتقرير منظمة السياحة العالمية (UNWTO) والذي كان عنوانه: “التقرير العالمي عن سياحة الطعام” أصبحت تجربة الطعام جزءا محوريا من تجربة السائح مما دفع العديد من الوجهات السياحية إلى التركيز على تطوير وتسويق منتجاتها الغذائية المحلية لجذب الزوار
تشير الدراسات إلى أن تجربة الطعام تلعب دورا حاسما في قرارات السفر فمثلا أظهر استطلاع للرأي أجرته شركة Jet2holidays أن 19% من المسافرين البريطانيين يعتبرون المطبخ المحلي السبب الرئيسي لاختيار وجهة العطلة وأن 25% منهم يعودون إلى نفس المكان بسبب تجربة الطعام المميزة. بالإضافة إلى ذلك يقوم 37% من المسافرين بالبحث عن المطاعم وتجارب الطعام قبل السفر مما يعكس أهمية المطبخ المحلي في جذب السياح.
ومن المهم أن نعلم أن “المطاعم الثقافية” تلعب دورا محوريا في تعزيز صورة الدول على المستوى السياحي ففي إثيوبيا تعتبر المطاعم الثقافية جزءا لا يتجزأ من الاستراتيجية السياحية حيث تقدم تجربة حسية متكاملة تتجاوز مجرد تقديم الطعام لتشمل الموسيقى والرقص والديكور التقليدي وهذا يمنح السائح فرصة للغوص في عمق الثقافة المحلية.
أما في تركيا فإن السعي وراء التجارب الجديدة أظهر أن المطبخ الوطني يلعب دورا محوريا في اتخاذ قرار السفر إذ يعد المطبخ التركي واحدا من عوامل الجذب الأساسية للسياح، خاصة لأولئك الباحثين عن تجارب طهي فريدة.
وهذا يقودنا إلى استنتاج مهم وهو أن المطاعم ليست مجرد أماكن لتناول الطعام بل هي نوافذ ثقافية تعكس تراث الشعوب، وتلعب دورا في تعزيز الفهم المتبادل بين الثقافات المختلفة.
في ظل المنافسة الشرسة بين الدول لجذب السياح أصبح الترويج للمطبخ المحلي أداة فعالة للتسويق السياحي؛ فالمأكولات الوطنية لم تعد تعامل كجانب جانبي في تجربة السفر بل باتت عنصرا أساسيا في استراتيجيات التسويق السياحي: من هنا لجأت العديد من الدول إلى إبراز مطابخها التقليدية عالميا سواء عبر المهرجانات الغذائية، أو إدراج أطباقها المحلية في قوائم المطاعم الفاخرة حول العالم.
ولأجل أهمية الموروث الغذائي أطلقت تايلاند في عام 2002 برنامجا حكوميا طموحا يعرف باسم “Global Thai” بهدف زيادة عدد المطاعم التايلاندية حول العالم، كان الهدف من هذا البرنامج تعزيز انتشار المطبخ التايلاندي دوليا ليسهم في تعزيز صورة تايلاند وجذب المزيد من السياح.
بفضل هذا البرنامج ارتفع عدد المطاعم التايلاندية عالميا من حوالي 5,500 مطعم إلى أكثر من 10,000 مطعم بحلول عام 2011.
هذه الاستراتيجية لم تقتصر على زيادة عدد المطاعم فقط بل شملت أيضا تحسين جودة الطعام والخدمات المقدمة، والتأكد من تقديم تجربة تايلاندية أصيلة للسياح.
هذا النجاح يعكس كيف يمكن لبرامج الدبلوماسية الغذائية أن تسهم في تعزيز الهوية الوطنية وجذب السياح من خلال تجربة الطهي.
المملكة العربية السعودية أدركت أهمية الطعام كجزء من الهوية الثقافية ومن هنا جاء القرار باعتماد “الجريش” كطبق وطني رسمي، و”المقشوش” كطبق حلوى رئيسي.
هذا القرار لم يكن مجرد خطوة رمزية بل هو جزء من استراتيجية أوسع تهدف إلى تعزيز الهوية السعودية عالميا، والاستفادة من المطبخ السعودي كأداة للترويج السياحي.
عندما يسافر شخص إلى بلد جديد فإنه يبحث عن تجربة تجعله يشعر وكأنه جزء من المكان، وهنا يأتي دور الطعام كوسيلة للتواصل بين الثقافات. فالجلوس على مائدة مليئة بأطباق تقليدية يمنح السائح فرصة للاندماج في البيئة المحلية، والتفاعل مع السكان الأصليين، وفهم طبيعة الحياة اليومية لهذا المجتمع؛ بل إن بعض الدول تستخدم الطعام كأداة دبلوماسية، حيث يُوظَّف في الفعاليات الدولية لتعزيز العلاقات بين الشعوب، كما حدث مع العديد من الأطباق التي أصبحت رموزًا وطنية، مثل السوشي في اليابان، والتاكو في المكسيك.
الطعام ليس مجرد حاجة بيولوجية، بل هو لغة عالمية تستخدم للتعبير عن الهوية، والتاريخ، والتقاليد، ومن خلال تعزيز المطبخ المحلي والترويج له عالميا، يمكن للدول أن تستثمر في صناعة السياحة الثقافية بطريقة أكثر تأثيرا.

ففي النهاية: قد ننسى أسماء الأماكن التي زرناها؛ لكننا لا ننسى أبدا النكهات التي تذوقناها.

    شارك التدوينة !

    عن Hatem Ali

    تعليق واحد

    1. الطعام يعني ثقافة شعوب وتاريخ الأجداد وكل طبق يعكس نمط المعيشة في القديم ، مثلا في الجزائر طبق الكسكس هو الطبق الرئيسي، وحاضر على الاقل في وجبة العشاء يوميا. هذا قديما واليوم أمتزجت الثقافات وأضفنا الى موائدنا البيتزا الإطالية والطاكو المكسيكي وغيرها من الأكلات الدخيلة على مجتمعنا، لأنه كما تفضلت أصبح الطعام جسر يربط بين الثقافات والشعوب.

    أضف رد على anis إلغاء الرد

    لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

    *