12فبراير

القطرة تملأ الإناء

في ظل تسليع كل شيء في هذه الدنيا، أصبحت المعرفة والاستشارة وكذلك الخبرة تُقدّم بمبلغ وهذا لا ضير فيه؛ لأنها أصبحت مصدر دخل للكثيرين، ولكن كيف يمكن الموازنة بين تقديم الخير للناس وبين تقدير جهود المرء؟

البعض يقول هذه خبرتي والخبرة= السنين التي قضاها الفرد في التعلم وارتكاب الأخطاء حتى وصل لهذه المعرفة بعدما قطع هذا الشوط الطويل، فيقول كيف لي أن أقدّم خبرتي على طبق من فضه؟
أعتقد أن الإنسان يستطيع أن يوازن بين الأمرين في تقديم الاستشارات الأولية البسيطة مجانية وأما الأمور العميقة والتي تحتاج إلى جهد ووقت فإنه يتم تقديمها بمبلغ وهذا هو مبدأ العدل، ولكن هل العدل كل شيء؟ لا بالطبع فهناك الإحسان وهو الزيادة بطيب نفس في العطاء دون مقابل لأنه كما قيل في المثل الشعبي عندنا: الدنيا دوّارة فهي تدور بالخير والشر وما تفعله الآن سوف تواجهه لاحقا.

حينما بحثت في هذا المفهوم كنت أعلم أنه ليس مفهوما شرقيا فحسب ولا يقتصر على دين معين أو عرق معين، بل هذا مفهوم كوني تشترك فيه كل الشعوب التي تربط بين السلوك والعواقب.

يذكر القرآن صراحة ( فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (7) وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ (8)) والآية واضحة لا تحتاج لتفسير، وعند المسيحيين في العهد الجديد فإن بولس يقول في رسالة غلاطية: “”لا تضلوا: الله لا يُشمخ عليه، فإنّ الذي يزرعه الإنسان إيّاه يحصد أيضاً” وكذلك مفهوم الكارما عند البوذية والتي مفادها أن أفعال الإنسان سوف تؤثر على مستقبله سواء في هذه الحياة أو في حياواته الأخرى.

وليس هذا فحسب بل إنك لو تتبعت هذا المفهوم في كل الثقافات سوف تجد الأمثال الشعبية في كل البلدان طافحة بهذا المعنى: فالمثل الألماني يقول: كما تنادي في الغابة سيعود الصدى إليك، أي أن أفعالك وأقوالك سترتد إليك، والمثل الصيني يقول: الخير يجلب الخير والشر يجلب الشر؛ لكنه قد لا يحدث فورًا فقط انتظر الوقت المناسب، وهذا قيد جميل لأن بعض الناس يعتقد أن الجزاء يكون فوريا!
أما عند الإسبان فلديهم مثل جميل يقول: من يزرع الرياح يحصد العواصف وهو قريب من المثل العربي: كما تدين تدان، وأعجبني كثيرا المثل الهندي القائل: القطرة تملأ الإناء بمعنى أن كل فعل صغير يراكم نتائجه بالخير أو بالشر وهذا معنى بديع.

ولهذا فالفكرة حتما ليست فكرة دينية أو فلسفية؛ بل هو مبدأ متجذر في الوعي البشري وكما يقولون في السويد:
كما تفرش سريرك كذلك ستنام عليه.
حاول أن تنام على سرير جيد!

 

    شارك التدوينة !

    عن Hatem Ali

    اضف رد

    لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

    *