28يناير

تغريب المألوف

ابتكر الناقد والفيلسوف الروسي فيكتور شكلوفسكي مفهوم أدبي وسمّاه: تغريب المألوف ويهدف إلى جعل الأشياء العادية والمألوفة تبدو جديدة وغريبة من خلال تغيير طريقة تقديمها في الأدب والفن.
وهناك أمثلة كثيرة على هذا المفهوم مثل وصف ليو تولستوي حربًا من خلال منظور الحصان، أو كافكا في رواية التحول حينما تحوّل البطل إلى حشرة مما يجعل القارئ ينظر للحياة من خلال عين الحشرة!

أتمنى لو كنت روائيا واكتب من منظور المرايا لتروي لنا قصة مختلفة عن الأشخاص الذين ينظرون إليها، أو الذكريات المفقودة أو المستبعدة والتي تريد العودة إلى ذهن صاحبها، أريد معرفة طريق العودة إلى ساحة الرؤيا كيف ستكون، أو حياة الدمى المتحركة التي تعرف بأنها دمية يتم تحريكها بأيدي الآخرين ويتم رميها في نهاية المطاف في صندوق حتى يحين العرض المسرحي القادم!

آه لو كنت روائيا لتحدثت عن حلم مشترك، مجموعة أشخاص يحلمون بنفس الحلم وله تأثير على الحياة الواقعية لكل واحد منهم، وربما أتحدث عن الأشياء الضائعة في البيت: سكروب قديم، فرد جورب تحت الكنبة، أتحدث من وجهة نظر -جورب ضائع- ويعلم أنه ضائع ويرى صاحبه كل يوم وهو لا يبحث عنه؛ بل الأدهى من ذلك حينما يشتري جوربا جديدا!

ربما أتحدث عن الأسرار الصامتة في ألبوم الصور، عن الحكايا المنسية في شخوص كل صورة، عن كل عملية شطب لوجه في أي صورة جماعية!

ربما يجدر بي الحديث عن الخطة المستقبلية والأحلام الوردية التي يتم وضعها في الدرج، ما رأي الدرج وهو يعلم أنه يحتضن جثث لخطط لن تنفذ، وأحلام لن تتحقق، هل يحق للدرج أن يعترض أن يكون ثلاجة لحفظ الموتى، وهل لو ساعد هذه الخطط للهروب، هل سيتم ملاحقته بتهمة الخيانة؟

ماذا عن ساعة الحائط التي رفضت أن تؤدي وظيفتها وتوقفت عن تقديم معلوماتها الدقيقة عن الزمن، هل تعطلها مؤامرة أم أنها استراحة محارب، أم أنه اضراب ضمني لاستخدام الجوال والأجهزة الحديثة لمعرفة الوقت؟
هل أستطيع الحديث عن العلاقات السرية بين الملابس في الدولاب حينما لا يراها أحد، أو الليالي الحمراء الصاخبة التي تقيمها الكتب كل ليلة على رفوف المكتبة؟ هل الغبار هو الضمان الوحيد على عدم تحرك الكتب؟
هل هذا تغريب المألوف، أم أنه خيال رديء!

 

    شارك التدوينة !

    عن Hatem Ali

    اضف رد

    لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

    *