17أكتوبر

في فردوس الكتب

وأنا أتجول في معرض الرياض الدولي للكتاب الذي كان بين 26 سبتمبر إلى 5 أكتوبر كنت أبحث عن أي كتاب يتحدث من قريب أو من بعيد عن الكتّاب أو الأدباء في ألمانيا لأني سوف أكون ضيفا في ندوة في معرض فرانكفورت الدولي للكتاب يوم 16 أكتوبر بعنوان الدبلوماسية الثقافية فأرشدني الله إلى كتاب (في فردوس الكتب) ترجمة وتعليق أحمد الزناتي فكان خير معين وخير مرشد وقائد.
لقد تحدث عن كتّاب ومؤلفين كثير ولكن كان من بينهم عدة مؤلفين وفلاسفة من ألمانيا وهذا نور على نور.

والكتاب كما قال مؤلفه في مقدمته: (الكتاب نزهات خلوية في فراديس كتب طائفة من الكُتاب والفلاسفة، وجميعهم من ساكني العالم الآخر، وهي أسماء انتقيتها بعناية، فلكل كاتب وكاتبة رؤيته المتفردة إلى العالم. هذه التأملات حصيلة ساعات خلوة مع الكتب على مدار سنة ونصف).
عبارة: وجميعهم من ساكني العالم الآخر: إشارة واضحة على فقدانه الثقة بالأحياء أو بعدم إعطائه المتعة المعرفية التي يعطونه إياها الأموات، وحُق في ذلك.

بدأت في الكتاب حتى وصلت للصفحة 51 ولم استطع إكمال الكتاب ورحت شكرت المؤلف مباشرة برسالة شكر عنيفة لأني أخبرته أني لم أتمنى كتابا لغيري منذ زمن بعيد، وأن هناك غيرة تملكتني مثل غيرة الضرائر؛ ولكنه شكرني بلطف كعادته أدام الله ظله.

بتعليقه الطريف عن الكاتبة البرازيلية كلاريس ليسبكتور يقول: أحب كلاريس ليسبكتور أقصد نصوصها طبعا، لكني أيضا أحب النظر إليها كامرأة.
بحثت عنها ورأيت صورها، لديه ذوق عالي في اختيار الكتب والنساء!

ما الغاية من نشأة الفن والأدب والكتابة والموسيقى يجيبنا الكتاب: الاستئناس بشيء تحتفي به ويحتفي بك.

وناقش الزناتي مسألة اختيار أسماء شخوص الرواية هل يجب أن تكون مختارة بعناية وتتسق مع أحداث وكيان الرواية أم كالرأي الآخر: أن أسماء البشر تُختار عشوائيا ومن ثم ينبغي أن تُختار أسماء شخوص الروايات اختيارا عشوائيا كيما تنسجم مع الواقع.
أعتقد أنه لا في الحياة الواقعية ولا في الرواية أن يكون الاختيار عشوائيا لأن لكل اسم دلالاته ويجب أن يكون الدال مطابق للمدلول بشكل أو بآخر والكتابة ليس هدفها عكس الواقع بقدر ما هو إرسال رسالة وهكذا أفهم الأدب.

أعجبتني نقطة مهمة ذكرها عن الفيلسوف الفرنسي : (بحسب مارسيل يربطنا إخلاصنا لعمله الإبداعي بالآخرين، إذ يجعلنا نتعرّف عليهم ونحن نحاول التعبير عن ذواتها. الإخلاص للإبداع هو الرغبة المتواصلة التي لا تنقطع في الإفصاح عن طبيعة ذواتنا). باختصار الإنسان يحب ويتوق إلى أن يكون مفهوما فالمديح الذي يكال إلى إبداعه يعطيه إشارة واضحة على أنه فُهم.
وتكلم كلاما جميلا جدا في الفرق بين الأمل والتفاؤل، حتى لا أحرق الكتاب يجب الرجوع إلى هذه النقطة تحديدا.

ثم تكلم عن  كتاب فرانتس بلي والذي ترجم عنوانه بـ: معجم الحيوانات الرامزة يضم الكتاب 181 بورتريها قصيرا لكبار الكتاب والفلاسفة منهم على سبيل المثال: ألفريد دوبلين، وكارل كراوس، وهيرمان هسه، وكافكا ونيتشه وغيرهم.
فالكاتب يصف هؤلاء الأدباء على أنهم حيوانات بطريقة بلاغية فكاهية جميلة جدا، وقال الزناتي معلقا: أتخيّل كاتبا عربيا يؤلف عملا على غرار معجم الحيوانات الرامزة في الأدب العربي فيصوّر لنا طائرا أو مخلوقا يرسم صورة طه حسين أو يوسف إدريس أو نجيب محفوظ أو أيا من الكتاب المعاصرين بهذه الطريقة وقد حدث ما تمنى الزناتي فهذا طاهر الطناحي كتب كتابه حديقة الأدباء وقال في مقدمته: ولكنني هدفت في منهجه إلى تحليل دقيق لحياة هؤلاء الأدباء بطريقة فنية جديدة، تمتزج برموز من أنواع الطيور والحيوانات البرية والبحرية، توافق كل منهم في الكثير من الخصال والميول والعادات!
والطناحي اتصَلَ بأدباء عصره مثل مصطفى لطفي المنفلوطي، وأحمد شوقي، وحافظ إبراهيم، وغيرهم ممن كتب عنهم فقال عن العقاد العقاب المنيع وأم كلثوم قيثارة الله وطه حسين دعاء الكروان وإبراهيم ناجي سنجاب وغيرها من الأوصاف الرائعة النافذة الثاقبة.

وفي الحديث عن الفيلسوف الألماني شميدت الذي عُرف عنه أنه يكتب عن كتب الأدباء الآخرين وانشغل بذلك أكثر من كتابة مؤلفات أصيلة قال الزناتي: (أما قراءة أعمال الكبار والتعليق عليها ومناقشتها فهي النشاط الحقيقي الذي يخلق المتعة).
عسى أن أكون كذلك في هذه المراجعة الخاطفة السريعة التي هي الوشل مقارنة بلجة البحر يعني: الكتاب كاملا.
لقد حددت الكثير لأكتب عنه مثل فكرة الأنداد والكتابة بالأسماء المستعارة والحديث عن الموت وغيرها من المواضيع ولكني رأيت أنه سيكون تطويلا مملا، فرأيت أن أحوم حول الحمى فقط.
الكتاب من القطع المتوسط يقع في 166 صفحة من إصدارات منشورات حياة عام 2024.

 

    شارك التدوينة !

    عن Hatem Ali

    اضف رد

    لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

    *