هل الفلسفة خطيرة؟ أعتقد أن الخطر الحقيقي هو الاطمئنان لها، والأخطر من ذلك هو الفرار منها.
حينما تريد التعرض لنقل حقائق علمية عميقة بقالب من الطرافة والسخرية فلا يمكن أن نتجاوز برتراند راسل الفيلسوف البارز في القرن العشرين الذي قال ذات مرة:
”وصية تركتها دودة لأولادها: الأسود والفهود حيوانات لطيفة جداً. بينما الدجاج والبط من أخطر الحيوانات.“
تحمل هذه المقولة التي تبدو غريبة الأطوار في ظاهرها ثقلًا فلسفيًا كبيرًا، وتوضح نسبية الإدراك والطبيعة الذاتية للخطر.
للوهلة الأولى يبدو الاقتباس فكاهيًا حيث يقارن بين الأسود والفهود الشرسة تقليديًا والدجاج والبط اللذان يبدوان أليفين. ومع ذلك من وجهة نظر الدودة فإن المنطق واضح ومقنع؛ فالأسود والفهود وهي من الحيوانات المفترسة الرئيسية في المملكة الحيوانية لا تشكّل أي تهديد للديدان فهي لا تصطاد أو تأكل الديدان مما يجعلها حيوانات ”لطيفة“ في نظر الدودة. ومن ناحية أخرى فإن الدجاج والبط وهي حيوانات داجنة وغالبًا ما يعتبرها البشر غير مؤذية أو حتى خطرة تعتبر مفترسات هائلة للديدان فهي تتغذى وتلتهم الديدان بنشاط مما يجعلها أخطر الحيوانات من وجهة نظر الدودة.
إن استخدام راسل لهذا المنظور يؤكد بذكاء على فكرة أن الخطر والسلامة ليسا مفهومين مطلقين بل نسبيين بالنسبة لموقف المراقب وخبرته. تتماشى هذه الفكرة مع استفسارات راسل الفلسفية الأوسع نطاقًا حول طبيعة الواقع والإدراك. وغالبًا ما كان يتحدى فكرة الحقائق الموضوعية مقترحًا أن الكثير مما نعتبره واقعًا يتشكل من خلال تجاربنا وسياقاتنا الذاتية وهذا قريب مما قاله نيتشة: لا توجد حقائق، بل تفسيرات فقط.
تُستخدم إرادة الدودة كاستعارة للإدراك البشري فمثلما ترى الدودة العالم من خلال عدسة بقائها على قيد الحياة يرى البشر ما يحيط بهم بناءً على تجاربهم وتحيزاتهم وسياقاتهم. فما قد يعتبره شخص أو ثقافة ما خطرًا، قد يراه شخص آخر غير ضار أو حتى مفيدًا وتمتد هذه النسبية إلى ما هو أبعد من الخطر المادي إلى المجالات الأخلاقية والاجتماعية والثقافية حيث يمكن أن تؤدي وجهات النظر المختلفة إلى استنتاجات مختلفة إلى حد كبير حول ما هو جيد أو سيئ وصحيح أو خاطئ.
هذه الوصية الطريفة التي ذكرها راسل تدعونا إلى التفكر في تصوراتنا الخاصة والعوامل التي تشكّلها، ومن خلال إدراكنا للذاتية المتأصلة في وجهات نظرنا يمكننا أن ننمي فهما أكثر دقة وتعاطفا للعالم، وعند القيام بذلك فإننا نعترف بأن وجهة نظرنا ليست سوى واحدة من عدة وجهات نظر، كل منها يتشكّل من خلال تجارب وسياقات فريدة، مثل نظرة الدودة إلى حيواناتها المفترسة.