8يونيو

ماذا لو عاد معتذرا؟

ربما يكون السؤال الأكثر جدلا على الإطلاق: ماذا لو عاد معتذرا؟

هذا السؤال يثير التأمل ويخيط نسيجًا من المشاعر والتوقعات والقرارات. فالسؤال يحمل في ثناياه ثقل مظالم الماضي، وإمكانية الفكاك، والتفاعل المعقد بين الغفران والثقة!

إن مفهوم الاعتذار يوحي بالاعتراف بالأخطاء المرتكبة، والاعتراف بالذنب، ومحاولة المصالحة. إنها بادرة -ربما- يمكنها إذا كانت صادقة أن تشفي الجروح وتعيد بناء الجسور المكسورة. ومع ذلك فإن عودة شخص تسبب في الأذى ذات يوم محفوفة بالتعقيدات العاطفية، والحسابات المنطقية. وعلى الرغم من قوة الاعتذار إلا أنه ليس سوى بداية رحلة نحو الشفاء والترميم.

غالبا في أوقات الاعتذار، المنطق يكون سيد الموقف، والعاطفة تكون مستريحة على الأريكة.

في أحيان كثيرة يكون الخطأ أكبر من الاعتذار، ومع هذا فيجب الاعتذار، لأن القليل خير من اللاشيء حتى في الاعتذار.

إنها لحظة ملحمية: لحظة عودته، والهواء يجيش ومثخن بالكلمات غير المنطوقة التي ظلت عالقة في ملكوت الصمت بينكما.
آه من حضوره! الحضور البهيء الذي كان مألوفا لديك، يبدو الآن وكأنه شبح من الماضي العتيق، هذا الحضور يثير الذكريات، ذكريات الألم والفرح، والألم يأتي دائما قبل الفرح!
انظر إلى عينيه: هما عينان مرهقتان من الندم والخوف، تبحثان عن عينيك أملا في الخلاص، ورغبة في العفو.
إنه يحمل قرابين الاعتذار، الاعتذار هش أمام فداحة الخطأ، لكن الاعتذار يقدّم على مذبح الأخطاء دائما.
إنه قادم بثقل الأخطاء كلها، ولكنه مع كل هذه الأخطاء، جاء ومعه الأمل في “فرصة ثانية”.

عقلك يقول بصمت: (ما عاد في العمر ما يكفي لقسوتهم). ويل أمي إن أعطيته الفرصة الثانية، وقلبك يربّت بحنّو ويقول:
(حبيبي تعال تجد منزلك
معداً كما كان من قبل لك).

في عودته معتذرا يبحث الشخص عن الحب المضاع أو المفقود، لأنه يعوّل على الصبر والتحمل وشرارة الحب التي لا تنطفئ.
إنه يحاول استعادة الماضي من خلال لفتة مثل الاعتذار، إنه يريد استعادة الفردوس “المضاع” وليس المفقود.

النفس البشرية مجبولة على التخزين والتذكر، فلذلك قد يكون الغفران صعبا عند البعض، وحتى الغفران لا يعني النسيان، ولا يضمن العودة الفورية إلى ما كان في السابق؛ لأن العملية غالبا تكون بطيئة وتتطلب العمل الجاد على بناء الثقة.

هذا السؤال يدعو إلى التأمل في الضعف البشري وإمكانية المسامحة والعفو. إنه يطلب منا أن نفكر في أعماق قلوبنا وقدرتنا على الغفران والأمل في أنه حتى في أكثر علاقاتنا انكسارًا، هناك إمكانية للشفاء والبدايات الجديدة.

    شارك التدوينة !

    عن Hatem Ali

    اضف رد

    لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

    *