24مايو

مواقف لا تنسى

مع كثرة جولاتي ولقاءاتي بأهل الفضل، تعلق بذاكرتي عدة مواقف لا يمكن أن تُمحى، وتبقى تتردد علي بين الفينة والأخرى.

كنت مرة في بيت الشاعر عدنان النحوي -رحمه الله- وكنا نجلس في مكتبه فُطرق الباب ووضعت زوجته الشاي عند الباب، فقال لي وكان مريضا طاعنا في السن: قم وأتِ بالشاي، فقمت وأتيت بالشاي وأردت أن أمازحه فقلت يا دكتور العرب لا تستخدم ضيفها، فقال لي: أنت لست ضيفي، أنت ابني!.

ومرة كنت في منزل الشاعر أحمد الخاني الملقب بأمير شعراء الأكراد، وقد أتيت بأحدث كتاب لي لأهديه له، أهديته كتابي فأهداني عشرة من كتبه، فقلت يا دكتور أحمد هذا ربا أعطيك كتابا واحد وتعطيني عشرة، فقال: الحسنة بعشر أمثالها!

أنا نهاز فرص، فطلبت منه أن يقرظ كتابي القادم (كتاب في الميزان) في ذلك الوقت، فرحّب بكل سرور بشرط أن أقرظ أنا كتابه (الملحمة الإسلامية الكبرى) فرفضت فورا، وقلت ليس مثلي من يقرظ مثلك، ولست يا شيخ بحاجة إلى تلميذك ليدلّ على فضلك، فقال: ولكني أحب أن يقترن اسمي باسمك، وهكذا في كل حوار يغلبني بفضله وعلمه وحسن ظنه..

حينما دعتني الجامعة الكاثوليكية في ميلانو لمهرجان جسور بابل دور الترجمة في بناء الحاضرة، رحت للفندق ونسيت كيبل الشاحن لجوالي، فساعدتني نادلة المطعم وأعطتني كيبل شاحنها وكانت من تونس، فقلت لها كيف أستطيع أن أرد جميلك؟ فقالت: عيب عليك، نحن عرب وكلنا في غربة، والعرب لبعضها.

وفي رحلتي الأخيرة إلى برلين  تعرفت على طبيبة نفسية ألمانية اسمها ازبيلا، تحدثنا عن مواضيع شتى حتى جاء ذكر أحد الدول، فقلت لها: هل هي دولة فقيرة؟ فقالت: من المال نعم، ومن السعادة لا.

وفي معرض لندن الدولي للكتاب قابلت كاتبا يحمل عدة جنسيات، فقلت: تحمل الكثير من جوازات السفر، من أنت؟ قال: إنسان!

كان عندي أمسية شعرية في لاروخا إسبانيا وكنت ألقي القصائد بالعربية والمترجم بجانبي يترجمها بالإسبانية وكانت هناك فنانة تشكيلية من الأرجنتين متأثرة بالقصائد.

فلما انتهت الأمسية جاءت إلى المترجم وقالت اسأل الشاعر: هل فقد عزيزا أو فقد أمه حتى يكتب كل هذا الحزن؟
قلت: أخبرها أني لم أفقد عزيزا ولم أفقد أمي، ولكني فقدت روحي!

ومرة كتب الشاعر العراقي هزبر محمد: ما يحزنني كثيرا أني لدي ستة دواوين وشقيقان لا يحفظان من شعري سوى بيتين بذيئين لا يصلحان للنشر.

فقلت له: هما ديوانان، ولديك ستة أشقاء.

كنت في معرض جدة الدولي للكتاب، أتتني إحداهن وقالت: كان إهدائك في ديوانك الأخير: إلى صديقي عزرائيل، من هو عزرائيل:
قلت: صديقي!.

وتستمر الحياة، وتستمر المواقف الخالدة التي لا تنسى..

    شارك التدوينة !

    عن Hatem Ali

    اضف رد

    لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

    *