*ألقيت هذه الكلمة في مهرجان الشعراء الدولي للشباب في الصين في يوليو 2024
لماذا الشعر؟
في البداية أشكركم على هذه الدعوة الكريمة والتي تشرفت فيها بالمشاركة مع أصدقائي الشعراء.
لماذا الشعر؟ في ظل هذه الفورة التقنية والتي شملت كل مناحي الحياة، ربما يظن البعض أن العلوم الإنسانية بشكل عام غير مهمة وعلى رأسها الشعر؛ وربما يتساءل البعض: لماذا الشعر؟
لماذا هو مهم؟ وهل الرواية أزاحت الشعر عن عرش الأجناس الأدبية؟
بلا شك أن الرواية هي الجنس الأدبي الأكثر رواجا، ولكن ربما ليس الأكثر أهمية.
باعتقادي أن الشعر يبقى هو الجنس الأدبي الأكثر أهمية والأكثر طيرانا بين الشعوب.
فالشعر لديه القدرة على ربط الناس عبر الثقافات واللغات والأجيال. إنه يتحدث عن التجارب الإنسانية العالمية، ويعزز التعاطف والتفاهم والروابط المشتركة بين الأفراد؛ ولأنه يشجع الإبداع والخيال، سواء في خلق وتفسير الظواهر المرئية والباطنية. إنه يتحدى القراء على التفكير النقدي، والسؤال، وإدراك العالم من وجهات نظر جديدة.
ولا شك أنه يساعد على التأمل من خلال الاستبطان واكتشاف الذات والتأمل الأعمق في الأسئلة والقيم والحقائق الوجودية.
ولعل الشعر من أهم التجارب الوجدانية العلاجية لأن قراءته تجربة شافية، وتوفر العزاء والشفاء والشعور بالإفراج عن الأعباء العاطفية إنه يوفر الراحة والخلاص خاصة في أوقات الحزن أو الخسارة أو النضال.
ولا يمكن نسيان دور الشعر النضالي الاجتماعي في معالجة القضايا التي تهتم بالفرد والإنسان؛ لأن الشعر يلهم التغيير، ويثير الفكر، ويشعل النشاط.
ولا ننسى أهميته في الحفاظ على الإرث اللغوي والجمالي في اللغة؛ فهو يثري المفردات ويعزز الإبداع؛ كما أنه يحافظ على التراث الثقافي والتقاليد، فهو يعمل كمستودع للذاكرة والهوية الجمعية.
يعكس الشعر قيم ومعتقدات المجتمعات عبر التاريخ، ويقدم نظرة ثاقبة للثقافات والحركات الاجتماعية المختلفة مما يساهم في فهم أكثر لثراء التجارب البشرية عبر الزمان والمكان.
والشعر يلهم لأشكال فنية أخرى، فهو المحرك الرئيس للموسيقى والفنون البصرية كالمسرح.
غالبا ما تكون اللغة والصور الشعرية بمثابة مصادر إلهام للموسيقيين والرسامين ومصممي الرقصات وصانعي الأفلام، مما يثري المشهد الفني.
الشعر هو قديس الأجناس الأدبية، وهو الشيخ الوقور الذي لا يهرم.
شكرا جزيلا لكِ أستاذة فاطمة