كان الليل مهيبا، يغزونا بجلالته وعظمته وأسراره..
كل شيء في الظلام كان عظيما..
الحركات والسكنات والأشباح..
في الماضي كل الأعمال في النهار وحينما يأتي الليل يجر ذيوله كانت الحياة تتوقف احتراما لهذا القادم المهيب..
الليل المعبأ بالأسرار والمطرز بالنجوم وحكايات العجائز وقصص الآباء، أصبح اليوم مكتشفا ومبتذلا وغير مخيف، النهار مثل الليل بفضل الكهرباء، لم يعد الليل مخيفا لنا ولم تعد الأشباح تأكل الأطفال كما كانت النساء يروين، الغول اختفى من السرداب، والحصان برأس الذئب مات في البئر!!
أين الاعتقادات الغريبة؟ أين كل ما هو مستعص على الشرح؟، حتى الخارق لم يعد خارقا بل خارت قواه، كان الجهل المطبق له قوته السحرية في نسج الخرافات والقصص وأتى العلم بنوره ليزيح الظلام عن عرشه..
اليوم كل شيء يجب أن يكون مفهوما ومشروحا، ذهبوا الذين ينامون دون فهم، كل حركة وسكنة اليوم يجب أن تكون مشروحة علميا ويتم جلبها
إلى المختبر والمجهر والناظور، لقد ذهبت السلالة التي تنام وحولها الغرائب التي لم تكتشف ولا تعرف الحقيقة المطلقة..
إنهم ينامون ويعلمون أن هناك ناموس أكبر منهم، فلذلك ينامون باطمئنان..
لقد قتلت المعرفة الخيال، ونامت الخرافات في أحضان الإهمال..
حتى الأبخرة الغريبة والدخان الذي يصعد للسماء من بعيد، والصوت بين أشجار الغابة:
لم تعد تخيف مثل هذه الأشياء، لأن لكل شيء الآن تفسير منطقي، وكأن حياتنا درس رياضيات نعيش في احتمالات الضرب والطرح والجمع..
الظِلال والظلمة والفراغ الطويل فقدوا هيبتهم وسطوتهم على الخوف، المجهول لم يعد مخيفا لأن كل شيء خرج من العتمة وأصبح عاريا في النور!
أسئلة مثل: كيف ولماذا وما السبب؟
لم تعد مطروحة لأن الإجابات: لأن وبسبب وهكذا هي التي أصبحت متداولة بكثرة..
أين الشك؟
مات..
اكتشفنا الأراضي والبراري والبحار
وأصبح الإنسان وحده هو:
القارة المجهولة..