أعتقد أن أشهر جنس أدبي حديث هو فن المقالة وليس أي جنس أدبي آخر مع شهرة الشعر والرواية بلا شك؛ لكن المقالة هي أشهر جنس أدبي في العصر الحديث..
وعلى شهرة هذا الفن تطاير الناس إليه للكتابة فيه وبعضهم مصيب، والأكثر متنكب الطريق الصحيحة، وهذه جرأة معروفة على كل الأجناس، وإني أتعجب ممن يدعي كتابة المقالة وهو لا يقرأ عنها ويتبحر فيها ويحاول لملمة أطراف هذا العلم.
بين يدي (كتاب المنتخب من أدب المقالة للقراءة والإنشاء) اختيار وتنسيق الدكتور كمال اليازجي والدكتور اميل المعلوف.
وعلى كثرة ما قرأت في هذا الباب وهو باب مختارات المقالة إلا أني لم أجد أفضل ولا أشمل ولا أدق من هذا الكتاب لعلو كعب الأدباء الذين تم اختيار مقالاتهم بعانية فائقة وفي مواضيع اجتماعية وثقافية وأدبية ولغوية تمس القارئ على الصعيد الوجداني والصعيد العقلاني، ومن أمثلة كتّاب المقالات: أمين الريحاني وطه حسين والعقاد وميخائيل نعيمة وأمين نخلة والمازني وأنطوان غطاس كرم واليازجي وشبلي الشميل وجبران خليل جبران وسلامة موسى ونقولا فياض وإلياس أبو شبكة وغيرهم الكثير ممن تعرف وممن لا تعرف من أهل الفضل والعلم والأكابر الذين كانوا لهم أكبر الأثر في تذليل الصعاب في هذا الفن وتقريبه إلى الأذهان بأحسن أسلوب وأرق عبارة وأفخم معنى ومبنى.
ثم إن الكتاب مقسم على خمسة فصول (في الرحلة والسيرة وفي الأخلاق والاجتماع وفي الأدب والفن وفي الفكر والتأمل ثم نماذج للنقد والتحليل.
وهذا الكتاب كان مقررا دراسيا للطلاب ولذلك تجد في نهاية كل مقالة أسئلة تهدف إلى توجيه القارئ وجهة الإلمام بأغراض هذه المقالات والإحاطة بأصولها وفروعها.
والحقيقة أني أتعجب ممن يزعم أنه يكتب فن المقالة وهو لم يقرأ هذا الكتاب، وإننا بلينا بأناس يقرأون الكتب ويظنون أنهم يراجعون الكتب ويكتبون عنها بالنزر اليسير وبعبارات قليلة لا تفيد المتلقي، وإن مراجعة الكتب فن عظيم مستقبل بذاته دخله العارف وغير العارف.
يجب على مراجعة أي كتاب أن تأتي على أبرز أفكاره ونبذة وافيه عنه وعن محتواه وكذلك فهرس لمحتواه أو ذكر الفصول الواردة في الكتاب..إلخ.
الكتاب من القطع الكبير يقع في 260 صفحة من إصدارات دار العلم للملايين الصادر عام 1980.
تحية طيبة
حقًا كتاب اليازجي والمعلوف من المجاميع اللامفكر فيها، والمنسية في الوسط الثقافي.
أتمنى لو تعيد نشره إحدى دور النشر، ليتعرف عليه الناشئة من جديد، وترتقي الذائقة الأدبية والثقافية العمومية.