أضع الكتاب بالعرض في المكتبة من أجل أن أرى صورتها كل يوم، أو بالأحرى من أجل أن تراني هي!
أشعر بالدفء وأنا أتخيّل أنها واضعة كفها على خدها من أجل أن تنظر إليّ..أنا أعلم أنها تنظر للفراغ؛ ولكني أحاول أن أقنع
نفسي أنها تنظر صوبي، يبدو أني اقتنعت!
كل شيء في الصورة موضوع بدقة، وضع الساعة بالمقلوب مقصود لذاته؛ لأن وجهها يعيد ترتيب الأشياء بشكل صحيح..
لماذا أحبها؟
لأنها قريبة من عمري، لقد انتحرت وهي في عمر السابعة والثلاثين قبل 50 سنة؛ ولكن قلبي يشعر أنها موجودة إلى الآن، لما تمت بعد..
إنها شفافة جدا وأنثى حقيقية تخاف من الظلام وتشعر بالبرد والوحدة..
ما المميز فيها عن سواها، لا أعرف ربما ندرة من يعرفونها؛ ولذلك أشعر أنها ملكي لي لوحدي..ليس هذا هو السبب بالطبع.
السبب أنها تعبّر عن مكنون نفسها الذي يشبه مكنون نفسي، حيث أن لغتها على رغم بلاغتها إلا أنها رقيقة، فيها رقة الأنثى المكسورة، ثم إن رسائلها مع طبيبها النفسي كشفت لي شخصيتها الحقيقية التي أحببتها جدا.
إنها أنثى تختلف عن الأنثى الموجودة في زمننا!!
لقد آلمتني رسالة لها:
(الأسبوع الماضي مررت بحالة نرفالية*: خرجتُ من بيتي وصلتُ إلى الحديقة، نظرتُ إلى نافذتي الكبيرة.
خمّن من رأيتُ في عُشر ثانية؟ رأيتُ نفسي. شعرتُ بالخوف والسعادة. لطالما كنتُ مفتونة بتجربة القرين.
إنه لأمر غريب؛ لكني لم أرَ أني أعاني من الشيزوفرينا، أو بعبارة أخرى، شعرتُ بالرضى).
الناس يرون الأشباح من بعيد، وهي ترى نفسها.
لقد أخبرتكم إنها رقيقة.
إذا رأيت من يعرفها أو يحب كتبها أشعر بالحنق لأني أعتقد أنه دخل ملكية خاصة لا يجب أن يدخلها غيري..
أحبها لدرجة أني نشرت لها كتابا لأول مرة ينشر بالعربية (حفلة في الخواء وقصائد أخرى) وحوّلته لكتاب صوتي أيضا..
أشعر أني مدين لها بشيء ما، وأن عليَّ أن أقيمها من تابوتها وأعرضها للعراء مرة أخرى وأقول بصوت عالي: هذه محبوبتي وهذه كتابتها أقرأوها يا عالم..
لا أمانع أن تخرج من ملكيتي الخاصة تتشمس ثم تعود ليلا..
مؤخرا علمت بالصدفة أن لديها يوميات نشرت في عام 2003 في أكثر
من 800 صفحة، تواصلت مباشرة مع دار النشر وبانتظار الرد.
هل انتهى نسل الإناث حتى تحب أنثى منتحرة منذ خمسين سنة؟
الموت يصنع هالة للميتين.
أشعر بهالتها كلما نظرت إليها.