حينما أدخل إلى المطعم أذهب إلى الطاولة التي تكون في الخلفية التي لا ينتبه لها أحد.
اختار الكرسي الذي يكون ظهره للباب ووجهه للجدار.
هكذا أمارس حياتي الذي خلف ظهري هو خلف ظهري ويجب أن يبقى هناك ولا أنشغل به.
لا أحب أن انشغل بالتفاصيل الصغيرة التافهة من دخول
الناس وخروجهم وأكلهم وحزنهم وفرحهم وانكسارهم..
أحب أن أجلس لوحدي منشغلا بذاتي..
إذا دخلت المطعم يحاول الموظف الذي يستقبلني أن يختار لي الطاولة الكبيرة التي تكون في الوسط أو في المكان الذي يطل على جميع المطعم؛ لكني أرفض اختياره بكل أدب واختار الطاولة المنزوية التي تناسبني..
أنا آتي هنا من أجل أن آكل الطعام ولست بحاجة إلى أن أرى الناس وأن يروني لأني لستُ فيلما، وهكذا كذلك هم بدورهم ليسوا أفلاما؛ إذن نحن لسنا في سينما من أجل أن ننظر إلى بعضنا..هكذا أفهم المسألة.
ليس لدي فضول النظر وتتبع كل شاردة وواردة، عقلي مرهق بكثير من الأحمال فلماذا أزيده بما لا ينفعه؟!
عندما يساء معاملتي من قبل الموظف أو يكون الأكل رديئا فإني لا أقلب المطعم جحيما ولا أتحول إلى عاصفة؛ بل أعلن احتجاجي بصمت من خلال قيامي فورا من الطاولة وترك الأكل ولو لم آكل منه قطعة واحدة..
أحاسب على الفاتورة ثم أذهب فورا، لا استخدم غضبي ذريعة لعدم دفع الفاتورة، أبدا أبدا، اعتقد أن من يفعل هذا دنيء..
مع أن صوتي الداخلي يعلو ويزمجر إلا أني أتصور أن الرجل الحقيقي هو الذي يستطيع ضبط انفعالاته وكبح جماح كلبه الداخلي المسعور..
كل أحد يستطيع قلب الطاولة رأسا على عقب ويرفع صوته على الموظف ويحتجّ على سوء المعاملة أو على سقوط ذبابة في الشوربة؛ لكن قلة من يستطيع أن ينسحب بهدوء ويعلن أن هذا التصرف غير لائق معي..
مرة خرجت بصمت وأنا لم آكل لقمة واحدة ودفعت الحساب وتوجهت للسيارة وإذا بمدير المطعم يلحظ الموقف ويلحقني إلى الخارج ويتوسّل لي بروح أمه الطاهرة أن أعود، قلت له قدومك إلى الخارج ولاحقك بي يعني لي الكثير بالإضافة إلى روحك أمك؛ لكنها والله النفس “طابت” لم يعد لي نفس في الأكل فقال لي كلمة قاسية وصادقة في نفس الوقت: قال أنت لست طفلا حتى تطيب نفسك بهذه السرعة، وأخذ بيدي وأرجعني إلى المطعم عنوة.
السيد المدير لا يدري فعلا أني طفل كبير.
طفل كبير
#حاتم_الشهري #طفل_كبير #قبض_الريح #قبضٌ_من_الريح #مقال #مقالات #مقالات_عربية
مدير المطعم انسان قبل أن يكون تاجرًا. ويروق لي جلوسك وعدم مبالاتك بلا شيء. لا أحب الناس التي تحدق فيمن حولها بشراهة.
فعلا، الكثير من الناس لهم حاجة ملحة لأن يكونوا فرجة أو يتفرجوا على الناس.