مونتيني

حينما كنت في معرض الدوحة الدولي للكتاب 2023 قابلت العديد من الأصدقاء والأحباب، وجددت العهد بمن لم أره في معرض أبوظبي الدولي للكتاب.

ومن الأصدقاء الذين قابلتهم الروائي الكبير/ حجي جابر صاحب منشورات حياة الذي غمرني بوافر لطفه وأهداني جملة طيبة من منشورات الدار، وقد أخبرته بعزمي على الذهاب لإسبانيا وأني بحاجة إلى كتب شعرية؛ لأني في السفر لا اقرأ إلا شعرا أو هكذا أحاول، فأهداني كتبا شعرية، والكتب الأخرى قال اقرأها إذا رجعت.

حينما أعود للبيت أو للفندق ومعي كتبا جديدة لا أنام ولو كان الوقت متأخرا حتى اتصفح كل الكتب التي معي واقرأ المقدمة والفهرس.

ربما تكون عادة حسنة أو سيئة؛ لكنني أفعلها كل مرة ولو بلغ بي التعب مبلغه، وربما استمرت بي القراءة حتى أصل إلى ربع الكتاب.

المهم أني يجب أن آخذ نبذة عن كل كتاب.

تصفحت الكتب كالعادة بعد عودتي من المعرض ووجدت نفسي تميل إلى كتابين:

-الكتاب الأول وهو كتاب شعري ولا غرابة في أن يعجبني لاسيما أنني في سفر، هو كتاب: الرحيل فن سهل التعلم شاعرات معاصرات.

-الكتاب الثاني: مونتيني لشتيفان تسفايغ.

غلاف الكتاب

عندما وصلت لمدريد ركبنا الباص مباشرة إلى لاروخا وهي بالباص تقريبا 4 ساعات، فكانت هذه الساعات الأربع مع مونتيني.

لقد كنت انظر إلى الطبيعة الخضراء من النافذة وفدادين المزارع التي لم تتدخل فيها يد الإنسان على يساري؛ بل كانت طبيعة ربانية تسحر الألباب، على يساري جنة خضراء، وبين يدي جنة من الكلمات، إنني رجل محظوظ فأنا بين جنتين.

موقفي من هذا الكتاب عجيب: لا أعرف ما الذي شدّني إليه: هل هي شخصية مونتيني العجيبة التي تبحث عن أعز موجود في هذه الحياة -الحرية- أو إعجابي بطريقة تربية والده العظيمة له، تلك التريبة التي ربما كانت هي أساس التربية الحديثة الآن، أو ربما ذهولي من طريقة انتهاء حياة مونتيني وتفريطه بلقب النبالة الذي سقط برحيله؛ لأن بوفاته انقطع نسل سلالة إيكويم وباتشاجون إلى الأبد.

والحزين أنه لم يُدفن إلى جوار أسلافه مثل والده؛ بل دُفن وحيدا في كنسية فويلانتس بمدينة بوردو،

لقد عاش حياة عظيمة باحثا عن أعز شيء في الحياة وهو الحرية؛ ولكن الطريقة التي بحث عنها، وكذلك الطريقة التي أدار بها أملاك وثروة والده وتفريطه بلقب النبالة محط نظر وتساؤل؟!

“الشيء المؤكد ألا شيء مؤكد” هذه العبارة كانت من بين العبارات المنقوشة فوق عوارض سقف غرفته.
كانت هذه رؤية مونتيني، وستنعكس انعكاسا حتميا على رؤيته الكلية للعالم.
ولئن كنا نحب مونتيني ونُعلي من شأنه فإننا نفعل ذلك لأنه كرّس نفسه كما لم يفعل أحد قبله، لأسمى فنون الحياة: فن أن تكون نفسك.

الحقيقة أني أرى مونتيني الأب المؤسس، والقديس، والشفيع، والصديق الصدوق لكل “إنسان حر” على وجه الأرض.

كان يعرف جيدا جسامة مهمة الحفاظ على الاستقلال الداخلي للإنسان، ومن ثم حصر جهوده في الدفاع عن ذلك الحصن الأعمق الذي أسماه جوته “القلعة” وهو المكان الذي لا يُسمح لأي شخص آخر بالدخول إليه.

يغلب في ظني أن أقوال مونتيني كافة منذ قرون ما تزال سديدة وصالحة لأي إنسان يناضل لتحقيق استقلاله، وليس لدينا من ندين له بالامتنان العميق أكثر من أولئك الذين يعززون في داخلنا ما هو إنساني، في الأوقات التي تغيب فيها الإنسانية”

هذا الكتاب من الكتب التي بالرغم من صغر حجمها إلا أنها تُعمل العقل بأقصى طاقته.

هذا الكتاب مثل الشاي العراقي يمخمخ العقل.

الكتاب من المقاس المتوسط يقع في 117 صفحة، من إصدارات منشورات حياة الصادر عام 2022، ترجم الكتاب عن الألمانية: أحمد الزناتي.