23فبراير

سيليفيا بلاث

كنت اقرأ في يوميات سيلفيا بلاث وغاب عن ذهني أنها انتحرت.
لقد نسيت ذلك.
نسيت ذلك بسبب شفافيها ورقتها وعذوبة يومياتها.
كيف يمكن لأمرأة رقيقة أن تنتحر؟
خصوصا المرأة التي في اليوميات؟
حينما ترى صورة وجهها على غلاف كتاب يومياتها تكاد لا تصدق أن هذا الوجه ذهب صوب الموت
بإرادته.
لدي ارتباط ربما يكون (ارتباط مرَضَي) مع الأدباء الذين انتحروا، ارتباط ربما يحتاج إلى علاج.
أحبهم كثيرا ومكتبتي تغض بكتبهم وبالكتب التي كُتبت عنهم.
ومن هؤلاء الذين أحبهم سيليفا بلاث التي كتبت يومياتها الماتعة من 1950 حتى 1962.
طبيعة اليوميات أن تكون هكذا سلسة.
لقد قرأت الكثير من اليوميات لكن كلهم لا يملكون سلاسة سيلفيا ولا حتى ليف أولمن في كتابها: أتغير، وإن كان كتاب أولمن سيرة وليس يوميات.
الرجال في العادة تكون كلماتهم أخشن ويعبّرون بقسوة وبغلاظة على واقع حياتهم التعيس، ونجد هذا عند بافيزي وبيسوا.

سيليفيا بلاث

لكن بلاث كانت متحررة من ربقة الجميع بما فيه الرقيب أي كان هذا الرقيب وتحدثت عن رغبتها الجنسية وعن أعضائها التناسلية، لقد كانت توّاق لإشباع صهيل حاجاتها الفطرية الحميمية.
لقد كتبت ذلك بوضوح.
(لو لم أفكر لكنت أسعد أكثر؛ لو لم يكن لي أي أعضاء جنسية، لما كنت أترنّح طوال الوقت على شفير الأزمة
العصبية والدموع).
(أليس من الأفضل الاستسلام إلى الدورات البهيجة من التناسل).
(أكره أكره الفتيان الذي يمكنهم أن يبددو جوعهم الجنسي بحرية، دونما هواجس، ويكونوا كاملين، بينما أتخبط أنا من موعد غرامي إلى آخر برغبة ندية، ودائما غير مشبعة).
ويومياتها فيّاضة بمثل هذه العبارات وأكثر.
لقد تغلبت سيلفيا على دماغها البشري، هذا الدماغ الذي طوّر حواجز مانعة للسلوك؛ لأن الدماغ يخاف من الرفض الاجتماعي ويراعي الضوابط والقيم الاجتماعية، وهذا معنى متأصل في النفس البشرية لأن النفس تتوق دائما إلى الانخراط في الجماعة؛ لكن سيلفيا في هذه اليوميات عبّرت عن رغباتها وعن جوعها الجنسي بصراحة تامة.
إن هذا ليس خطأ بالجملة وليس صوابا بالجملة؛ بيد أن الحقيقة أننا كلنا نشعر بالجوع الذي شعرت به بلاث في حال مررنا بنفس ظروفها، والفرق يكمن في أنها كانت شجاعة واعترفت بهذا الجوع، وأما نحن والبقية فمن الممكن أن نستر هذا الجوع ولا نكتبه فضلا عن أن نقرّ به.
في زمن مضى لم أكن اقرأ اليوميات بكثرة حتى بدأت بكتاب واحد ثم صارت كتب اليوميات من الكتب المفضلة بالتوازي مع كتب الرسائل.
إن كتب اليوميات لاسيما الغربية بها نفحات وطرف وفوائد لا تكاد توجد بغيرها من الأجناس الأدبية.
نعم تمر صفحات كثيرة دون فائدة تذكر ويغلب على بعض اليوميات البساطة وذكر المعلومات اليومية المملة، لكن بعد ذلك تكون هناك الطرفة النادرة، والمعلومة البديعة، والنكتة الأصيلة.
بلاث رحلت كجسد وبقية أدبية في يومياتها وفي رواياتها.

 

    شارك التدوينة !

    عن Hatem Ali

    اضف رد

    لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

    *