24مارس

محسن بن تركي..الشاعر المحكك

في البداية لربما لم أتقبل شعر الشاعر محسن بن تركي الدوسري، وليس لشيء إلا لأني بنيت دفاعات وهمية؛ ولكن حينما حّكمت المنطق وجدت أن شعره يرضي الذائقة ويروّضها أيضا.

محسن من الشعراء الذين يتعبون جدا على قصائدهم، والقصيدة تمر بمخاض طويل حتى تظهر إلى النور؛ فهو شاعر محكك أي يحك قصيدته حكا كما قال الحطيئة: خير الشعر الحَوْلي المحكَّك، أي الذي يحول عليه حولا.

لقد عرفت محسن عن قرب وعرفت كيف يجتهد في إيجاد صورة جديدة غير مكررة، فهو إن دخل سوق المعاني كد ذهنه حتى أنه تمر عليه الأيام والليالي ولم يكتب شطرا واحدا، ثم تنهال عليه الأبيات فجأة..

محسن ليس من الشعراء المطبوعين؛ فالقصيدة لا تأتيه سجية، وهي لا تفرض نفسها عليه، بل هو يستدعيها متى شاء، في الوقت الذي شاء، وهو “راعي المهرة الصفراء” كما يقول في إحدى قصائده..

إنه يأتي بالبيت الذي اخترع فيه صورة جديدة ثم يبني على هذا البيت القصيدة كاملة مثل قوله:

وكنت طيب معك لاخر دقيقة وش تبين
يكفي اني رحت: ماقلت لك ياخاينة .!

قال هذا البيت، ثم بنى عليه القصيدة كلها..ومثله أيضا قوله:

‏وشلون برضي غروري فيك وأبدأ منين
وأنا . أعطي أفكاري التعبير .. ويخونها

وقوله:

وكلمة (أحبك) استنزفوها واجد العاشقين
محتاج . لي كلمة جديدة ما . يقولونها

يجب أن نتفق أن ابن تركي هو شاعر متى ما أراد..

وبسبب أنه “يحكك” قصائده تأتي قصائده غير طويلة، فهي من الـ 15 بيت أو أقل؛ لأن ذائقته صعبة، ولا يرضى بأي بيت من وجهة نظره، وكأنه يقول: قليل حسن، خير من كثير متوسط..

وهو من الشعراء القنوعين الذين يقفون عند اكتمال الصورة الشعرية ولو كانت أبيات قلائل مثل رثائه في أبيه:

تصدق يا يبه .. حتى الفرح في غيبتك ينعاف
ياشين الفرحة .. اللي م انت ، قايدها وريسها
.
قسم بالله لولا الخوف من ربي ، وانا خواف
اجيك اشاركك فرحة حفيدك ، واحضنك واسها
.
واحط الحفل وسط المقبرة ، واحطها مضياف
واخلي قبرك اللي ضم جسمك صدر مجلسها

فحينما اكتملت الصورة توقف ولم يزد، وهو بهذا الفعل يذكّرني بالشاعر الكبير رشيد الزلامي -رحمه الله- حينما قال:
والله يا سلمان ما جيت شحاذ
لكن مما حسني جيت يمك

أعرفك من رووس الرياجيل الأفذاذ
الطيب يظهر في تحاليل دمك

فيقول الزلامي: أنه لم يستطع اكمالها، لأنه لو زاد لكانت الزيادة ضعيفة، ونظرية اكتمال المعنى رغم قلة الأبيات لا يدركها إلا الندرة من الشعراء.

تشعر في كثير من قصائد ابن تركي أنه يكتب لا لشيء إلا لأنه وجد القافية غير مطروقة أو الكلمات التي على هذا الروي قليلة مثل قصيدته:

كفكي دمعك ترى دمعك ثمين
كل شيء إلا دموعك..فاهمة!

والأخرى:

يا حب كذبة ابريل وجرح سبتمبر
خذ ما بقى من (غلاك) ولمله واطوه

انا شموخ القصيد وهيبة المبنبر
اللي رقع هامته خطوه ورى خطوه

وهذه:

كان حبك مقتبل عمر وعدا عجول
وين بالقى حب بعدك وعمر ومقتبل

ويعجبني الفخر في قصائده، فهو شاعر حماسة من الطراز الأول فيقول مثلا:

الله خلقني دوسري كفو وحزامٍ جويد
كن المواقف والحمايا ما خلقت إلا لها

وان كان ما كحّل عيون اعداي وعيون النشيد
ماني براعي المهرة الصفراء ولا خيّالها

ويعجبني قوله حينما قال:

وما للجميل إلا أنت يا الصبر الجميل
لا شامت عيون العرب وكبودها

وما للهقاوي غير متنك يا شعيل
ابرك ووردها على قرهودها

لا تسمع اللي قال ما يخدم بخيل
ما كل خدمة واجبٍ مردودها

والبيت الأخير يقطر حلاوة، ويشع طلاوة..

والمراد أن محسن بن تركي شاعر مجيد، جاوز قنطرة الإبداع، وأصبح الشعر ملهاة في يده يلعب به ويُشكّله كيفما شاء، فلله دره ودر أبيه..

    شارك التدوينة !

    عن Hatem Ali

    3 تعليقات

    1. امثاله قله بالوقت الحالي صعب تجد شاعر يقدر يحرك مشاعرك من بيتين فقط بدون مايسرد قصه كامله

    2. اللهه ؛ محسن قصايده مثل السهل الممتنع السهل ب المفردات الممتنع ب التركيبه الشعرية مثل كيف ابنسى غلاك وكيف يصبح شتتات وهو غلاك والقلب مثل الدايرة والقطر ؛ لما يوصل للمتلقي تسأول كيف جت الفكره ؟! يعني الشخص تعدى مرحله الابداع ؛ ب النهايه شكرااا لكك استاذ حاتم على المدونه الي جمعت بين الشعور والشعر انتظر منك الكثير من الابداع ❤️❤️

    اضف رد

    لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

    *