5فبراير

منصات التواصل..ثقب إبرة

إن منصات التواصل الاجتماعي قريبة من بعضها في الشكل، بعيدة في باطنها من المحتوى والناس.

بحكم فاعليتي في أكثر منصة لسنوات طوال (تويتر-انستقرام- فيسبوك) تكوّن لدي وعي عن كيفية التفاعل مع كل منصة، فالجمهور ليس هو هو في كل منصة، وكأن كل منصة من قارة مختلفة، ومن ثقافة مغايرة، وفهم آخر.

لو جئنا إلى الجو العام في تويتر لوجدناه جوا طاحنا يغلب عليه سوء الظن، والمماحكة، والهرج والمرج، وهو إلى ساحة قتال رومانية أقرب منه لمنصة تواصل على الأقل حسب منطقتنا.

تويتر هو الوجه الجديد لمحاكم التفتيش، وليس هو عندنا بطائر أزرق؛ بل غراب أسود.

لو كتبت (نكتة) عابرة في تويتر، نكتة من الممكن أن تقولها في البيت والشارع والاستراحة والدوام، نكتة من النكت اليومية العابرة؛ لكنك أخطأت ووضعتها في تويتر لاكتشفت في نهاية اليوم أنه مرفوع عليك 3 قضايا، ومن الممكن أنه تم تعميم إلقاء القبض عليك لأنك متهم بالإساءة إلى الذوق العام.

الانستقرام منصة بصرية خفيفة ممتعة، لا يوجد فيها جدل كبير؛ بل محبين للفن والأزياء والطهي وعالم “الصورة” بشكل عام.

الانستقرام سينما كبيرة، وكما أن السينما ربما تجمعك بشخص غير محترم يضحك وسط الفيلم بصوت عالي، ويترك مكانه متسخا بعد الفراغ من الفيلم، فلربما تصادف مثل هؤلاء في منصة الانستقرام.

الانستغرام هو “البهو” الذي يُعدك مناخيا ونفسيا للفيسبوك.

الفيس البوك القارة المجهولة لنا هنا، فلا تجدنا نتفاعل هناك بكثرة، بسبب حجم المنصة فهو كبير جدا وفيها عدد ملياري من المستخدمين.

الفيسبوك هو أم الدنيا حقيقة، تكتب بكل أريحية لأن الغالبية مختلفين عنك، فيكون عندهم وسع أفق كبير، وبعد نظر، وتقبّل للاختلاف، ومساحة شاسعة للحوار، واحترام متبادل للأطراف، بشكل يجعله جنة الدنيا.

(نحنُ الرجال لا يهمنا جمال الأنثى وشكلها الخارجي، ما يهمنا هو جمال روحها وأخلاقها. من رواية ” يكذبون كثيراً “)

(قيل لحكيم: أحقًّا يفضّل الرجال النساء الثرثارات على الأخريات؟
قال: وأيُّ أخريات؟!)

تخيل لو نشرت هاتين الطرفتين في تويتر، ماذا سيكون الحال؟

ستكون في نهاية اليوم معاديا للمرأة والرجل والطفل والأسرة والسامية، وعميل للنازية، وجاسوس للدب القطبي في الحرب الباردة، وخائن لمواثيق الأمم المتحدة وهلم جرا.

بينما حينما تم نشرها في الفيسبوك كانت الضحكات فقط تملأ جنبات المكان.

التنقل الدائم بين هذي المنصات وغيرها يعرّفك على كمية التزمت والتشدد الموجودة في بعض المنصات.

هناك منصة جوها خانق وتتنفس فيها من ثقب إبرة، وهناك منصة ‘حياة’ بمعنى الكلمة.

اللهم الحياة، ولا ثقب إبرة.

 

تم نشر المقالة في مجلة فرقد:



منصات التواصل..ثقب إبرة

    شارك التدوينة !

    عن Hatem Ali

    2 تعليقان

    1. فعلاً صحيح والله إنه وااااقع
      استمتعت بالقراءة جداً
      التشبيه في هذا المقال بليغ ماشاءالله

    أضف رد على Hatem Ali إلغاء الرد

    لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

    *