29أغسطس

القتلى يطرقون الباب

لقد كان من عادة الشعراء العرب أن يناشدوا بعضهم بعضا ما يبدعون

فيتطارحون الجديد لاسيما بعد العَشاء؛ ولذلك يطيب السمر حول معشوقتهم النار..

و ما زلنا على هذه العادة لكن بدون نار وبدون عَشاء، فنتطارح الجديد أنا وأصدقائي عبر مواقع التواصل ليل نهار، ومن جميل صنائع هذه المواقع أنها أتاحت لنا التواصل مع المبدعين والشعراء من شتى أنحاء المعمورة، ومن جملتهم الصديقة العزيزة الشاعرة المميزة/ عبير الديب وهي صاحب صوت شعري متفرد..

وجريا على عادة أسلافنا؛ فإني كلما كتبتُ نصا جديدا أرسله لها، وهي تضارعني الجمال بقصائدها المحلقة، وذات مرة قالت لي: إنك تذكّرني بعبير سليمان..

إنك تكتب مثلها، أو هي تكتب مثلك، وكان الحديث جاريا عن الشعر الحر..

وعلى الفور اقتنيت كتاب أختي الشاعرة المبدعة/ عبير سليمان (القتلى يطرقون الباب)، وما أجمل أن رابطة الأدب حينما تجمعك مع مبدع آخر..

عندما وصلني الكتاب استقبلته أحسن استقبال؛ لأني أحب حديث إخواني، وكل مبدع في الأرض هو صهري بشكل من الأشكال..

قرأت الديوان بحب (لأنه يشبهني) لأني أكتب مثله أو هكذا كنت أظنت؛ لكني حينما مشيت بين خمائله، وقطفت من زهره، وشربت من ينبوعه أدركت أنه مختلف اختلاف التميز، ثم حين أدمنت النظر، وإذا به ديوان أنيق أسيل تعرف الحزن في عينه، وقسمات وجهه..

لقد أحسنت الظن بي صديقتي عبير الديب؛ إذ رأتني أكتب بهذا الجمال وبهذه الروعة..

هما عبيران هذه وهذه..

عبير سليمان امرأة مخدّرة، تكتب حزنها بشغف، وتنثر ألمها بحشمة..هي أنثى حتى مع شكواها، وهي لا ترضى بأن تلبس لبوس غير لبوسها الذي يعجبها:

(أستطيع شراء ملابس دارجة من أجل ذلك الحفل
لكن الثوب الذي أملكه ينطق بما أريد
سأبدو جميلة في تلك الملابس العصرية 
لكن الثوب الذي أملك يجعلني أرقص معك على
الأغنية التي تحب
ويجعلك تفهمني مثلما أريد)

لديها مشكلة عويصة تحتاح إلى حل، فهي عادة ما تكتب كلمة (جرة) في خانة الأيام التي لا تعجبها وتكسرها كي لا تعود لزيارتها مرة أخرى؛ ولكن (أحيانا) تكسر ثلاثمائة وخمسا وستين جرة في العام!!

مسكينة هذه العبير فلقد مشت في طريق (الصواب) أربعين عاما، وتبعت كل اللافتات، ودفعت كل الضرائب، وحينما جاءت لتقطف ثمار هذه الرحلة، وجدت لوحة كُتب عليها:
(مغلق لدواعي الصيانة).

إنها تسخر من (صوابها) بأدب، إنها تصرخ دائما بحنيّة أنثوية، ثائرة مسالمة.

للأسف أنها تزعم أنها لم تغادر غرفتها:

(لم أغادر غرفتي؛
الشارع دق باب بيتي،
دخل بعابريه الحزانى،
غفا طويلا على أريكتي
وغادر ما إن تعافت مفاصله).

الحقيقة أنها غادرت بيتها كله، وليس غرفتها، حينما كتبت هذه الروائع، لتصبح شاعرة أممية..

وحتى ندمها لم يخرج من البيت؛ ولكنها في نفس الوقت تقول عن صوتها:
(صوتي حجر في يدي
أرمي به العتم
حينما يزأر
وأعلم أنه قاتلي لا محاله)

(الهديل المعروض على واجهات المحال لم يكن رسولي؛
صوتي
ليس 
للبيع).

إن كنت أكتب مثلها؛ إني إذن لمن الفائزين.

الكتاب من القطع المتوسط يقع في 127 صفحة، من إصدارات الهيئة المصرية العامة للكتاب، الصادر عام 2020م.

    شارك التدوينة !

    عن Hatem Ali

    اضف رد

    لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

    *