11ديسمبر

جوهرة المراصد

جوهرة المراصد لقاسم حداد.
دفتر الحضور والغياب
وتقديم الشاعر/ عبدالله السفر.

قاسم حداد شاعر بحريني.

حداد شاعر تجاوز الأقطار العربية ليكون شاعرا عالميا بسحنته العربية.

يحمل الهم العربي فوق متنه حتى أثّر في كتفه.

هذا الشاعر الأنيق الذي يكتب دفتر حضور وانصراف لأصدقائه..

لماذا جوهرة المراصد؟ لأني أحب أن اقرأ للمبدع في غير مجاله، فقاسم حداد معروف كشاعر؛ فأحببت أن أرى الوجه الآخر للإبداع عند قاسم في المقالات، ولم يخب ظني، فهو ينتقل بخفة الريشة من مربع الشعر إلى مربع المقالات، بحرفية عالية، وبإبداع لا يقل نظيره في الشعر؛ فالمبدع مبدع أينما كان..

هو في فورة غضبه يسأل بطفولة بالغة: (على وجه التحديد، ما الذي يريده الموت منا؟).

ويبقى هذا السؤال مفتوحا دون إجابة.

إنه يكتب هذا الدفتر للنابهين اللامعين الذين أضاءوا سماء الأدب والشعر والثقافة.

يكتب عنهم بحرقة وألم وعتاب ممض لهذه الأمة التي تعق أبنائها ويتساقطون واحدا تلو الآخر في جحيم الغربة.

هو شاعر حتى في نثره، أديب في وصفه، والمتأمل لهذه المقالات يرى إلمامه بنتاج أصدقائه وتشرّبه لهذا النتاج الذي تمخض عن فهم دقيق لمسارات الأصدقاء؛ بيد أن هذا الإلمام لم يكن في سياق الانصهار والاندماج؛ بل كان رافدا من الروافد ليظهر بتجربته المستقلة المتفردة.

إنه رادار على الساحة الثقافية، لا يدع شاردة ولا واردة إلا اكتنزنها..ثم هو في هذه المقالات شفاف وصادق لأبعد درجة فهو يعترف بالأساتذة الذين أخذ عنهم، وطلب الشعر على يديهم كأدونيس وقباني وبلند الحيدري، ويسجل ملاحظة فنية عالية الدقة فيقول: (عند هذه المسألة أحب التنبيه إلى أنه من بين ما يقلقني في الجيل الجديد من الشعراء والأدباء العرب، نزوعهم غير المفهموم لنفي تأثرهم أو إنكار أية تأثيرات لمن سبقهم على ما يكتبون، وهي ظاهرة لا أصادف مثلها في تجارب الأدباء في العالم، على العكس، فالجميع هناك يعترفون بأساتذتهم، ويكنّون لهم الاحترام حتى التمجيد، اتفقوا معهم أم اختلفوا، وتدفعني هذه الملاحظة إلى ما يشبه خشية الظن بأننا سنكون آخر الأجيال الأدبية التي تعترف بأساتذتها).

إنه يلكز التاريخ بمهمازه، يوقظ الشخصيات من الأجداث، إن كتاب قاسم حداد فيلم وثائقي لأبرز الشخصيات في العالم العربي..
إنه الراوي والرائد، والرائد لا يكذب أهله..
وهو إذ يتحدث عن هؤلاء الأعلام، يتحدث عنهم، بكل اعتزاز وشموخ، ولكنه يغض من قدر نفسه، كعادة العظماء فهم يغمطون حق أنفسهم، والمديح يأتي من الغير لا من ذواتهم، وثناء الناس على النفس أبقى وأدوم..
هذا الكتاب قصيدة رثاء طويلة، فقاسم كان يبري قلمه عن أصدقاء عايشهم زمنا طويلا، أو التقى بهم، أو صادفهم ولو لمرة واحدة..
إنه يسطّر صفحة للوفاء بهذا الدفتر..

غلاف الكتاب

إنه يذكر أناس قد نزلوا من قطار الدنيا، وربما يذكر أصدقاء ما زالوا في عربة الحياة..
جمرة الحب ملتهبة داخل الكتاب، تكاد تلمسها بيدك.
كلما فتحتُ الكتاب بللني ينبوع مشاعره، فهو يفيض ولا يكتب.
لقد تعب من رثاء أصدقائه كما يقول، وحينما يموت صديق له يموت جزء منه، وحينما يأتيه الموت لن يجده فقد ذهب كله مع أصدقائه.

تتعجب من رقعة الأصدقاء لهذا الإنسان، فله بيت في كل زاوية من زوايا العالم العربي، فهو قد شارك في أهم المحافل الأدبية مثل: ملتقى الشعر الأول في بيروت، ومهرجان المربد في بغداد، ومهرجان أصيلة في المغرب وغيرها من المحافل في واشنطن وفرنسا وهولندا وكولومبيا؛ ولهذا جاء الكتاب كخريطة إرشادات للمشهد الثقافي.

الكتاب ضم شخصيات شعرية، وأدبية، ومسرحية، وكذلك سياسية..

وقد يكون أجمل ما في الكتاب المقال الأخير (قاسم حداد يتحدث عن قاسم حداد) وربما يكون هذا المقال “عتبة” لسيرة ذاتية يكتبها قاسم عن نفسه..

إن هذا الكتاب شهادة على العصر، وهو يذكرني بكتاب (وديع فلسطين يتحدث عن أعلام عصره) غير أن ما يميز قاسم الكثافة الشعرية في النص النثري.

الكتاب من القطع الكبير يقع في 331 صفحة، من إصدارات دار روايات، الطبعة الأولى، 2021م.

    شارك التدوينة !

    عن Hatem Ali

    اضف رد

    لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

    *