حينما ترى الجموع الغفيرة التي تحضر الحفلات الغنائية تعلم علم اليقين أن الغناء ليس أصوات بشرية مع ألحان إيقاعية فحسب!!
في هذه الحفلات ترى الكثير من الوجوه وهي تردد مع المغني مغمضة العينين وكأنها في حالة من السكر الوجداني، أو الصوفي، وقد يتطور هذا “السُكر” إلى البكاء بهسترية شديدة عند رؤية المغني كما حصل مع الفتاة قبل عدة أيام في حفلة جورج وسوف..
البنت كانت تردد الأغنية وتبكي بشدة مفرطة لدرجة أن “وسوف” ناداها وسلّم عليها وهدّأ من روعها، وطلبها بعدم البكاء، وحاولت أن تقبّل يده لكنه رفض!!
إنني أتساءل لماذا كل هذا التقديس في حضرة المغني؟
لماذا كل هذه العاطفة المشبوبة المشحونة؟
هناك تعصب شديد لدرجة ترى أحدهم يُعرّف بنفسه (طلاليّ الهوى)، و(عاشق الست)، و(نصير العندليب) وإلى غيرها من التعريفات التي تدل على اضطراب نفسي شديد..
هل انتهت المواصفات لدى هذا الفئة حتى تعرّف نفسها بالفنانين؟ هل هذا الالتصاق يعطيها أهمية أكبر؟!
في مصر لا أحد يجرؤ على التفوّه بكلمة واحدة عن أم كلثوم، فهي شبه إله مقدس، حتى مع جميع الأخبار التي رويت عنها وعن محاولة اغتيالها لعبدالحليم إلا أن محبيها يرون أنها شمس لا يمكن أن تغرب، وقل نفس الكلام عن المتعصبين لفيروز في لبنان..
فيروز وما أدراك ما فيروز، قالت إحداى المغنيات -سامحها الله- أن الله لا يستطيع أن يخلق مثل فيروز!!!
الله لا يستطيع أن يخلق مغنية؟؟!! استغفر الله العظيم..
الموسيقار الرحباني قال: أخبروا هذا الذي يقال عنه الجسمي (حسين الجسمي) ألا يغني لفيروز مرة أخرى، لأنه لا يوجد إلا صوت فيروزي واحد!!
باعتقادي أن هذا التأثر يعود إلى كون (الأغنية) عاطفية وواقعية في نفس الوقت..
وكل الأغاني -تقريبا- تتحدث عن تمني لقاء المحبوب، والتغني في صفاته، وحلو الحديث معه، والتشوق إلى طول البقاء بجانبه، والندب عليه بعد فراقه، ثم التحسر على اختياره بعد خيانته، وما إلى ذلك من الأمور..
فالأغنية غالبا تدور حول شخصين، حول المشتاقين والمحبين، وتبعث على اللهفة، وتحفز النشوة، وتضرب على وتر الأحساسيس المدفونة العميق..
كل هذا الشجن يصبّ في قلب الإنسان، والإنسان بطبيعته هش من الداخل، وهو ضعيف لدرجة أنه يتأثر ب”كلمة”..
يفيض شعور الإنسان لدرجة البكاء عند رؤية من يبعث ويعبث بهذه المشاعر ألا وهو المغني..
وربما يكون أن شدة التأثر عائدة إلى ذكريات ماضية مرتبطة ببعض الأحداث في الماضي، فحينما يسمع الإنسان الأغنية، يستجر الأحداث الماضية معه، فتكون الذكريات أقوى منه فلا يستطيع أن يمسك نفسه فيبدأ بالإنهيار باكيا..