الفن الصامت

لم يكن غريبا عليَّ حينما بزغ تطبيق (كلوب هاوس) في سماء التطبيقات، مع أن فكرته تشابه فكرة البالوتك أو الشات الصوتي قديما الذي كنا نستخدمه..

الفكرة ليست جديدة، وإنما أصحاب التطبيق أذكياء جدا؛ لأنهم استغلوا شهوة الإنسان للتعبير عن آراه بالصوت، وعملوا التطبيق؛ ولذلك تراه مزدهرا إلى الآن، وتبعته تويتر مباشرة وأضافت خدمة (Spaces) والتي هي تماما مثل كلوب هاوس..

إن الإنسان يود أن يتكلم حتى الموت؛ بل إن الوصية هي كلام من نوع آخر، وكذلك آثار المرء كالكتب لسان ناطق عن المرء..

إن الشرائع السماوية، والمذاهب الأخلاقية كلها تدعو الإنسان لكثرة الصمت، والتقليل من الكلام، والمأساة أن الإنسان يعمل بخلاف هذا..

تمارين اليوغا والتأمل وحمام البخار والساونا والتدليك (المساج)، كلها تحاول أن تُسكت هذا اللسان الثرثار لدى المرء..

كل تمارين التأمل تدخل الصمت بين ثنايا التمرين من أجل ألا يحارب العقل الفكرة..

إن أصحاب اليوغا والتأمل والاسترخاء يقولون لك: اصمت ولكن بشكل مهذب!!

وحينما أقول الصمت فإني لا أقصد به الصمت العقابي (المعاقبة بالصمت)، والذي تحدثت عنه الأستاذة هيفاء القحطاني، والذي يستخدم كعدوان علائقي، وتستطيعون قراءة المقال هنا:
المعاقبة بالصمت

ولكني أقصد الصمت الذي يزيّن المرء، ويكون من ذهب، ويكون الكلام على قدر الحاجة، وليس رغبة في الهِذار.

المروءة عند العرب: اسمٌ جامع للمحاسن كلها، ولو قيل لي أن الصمت كذلك لما أُبعدت النجعة.

وسأجيب عن الفن الصامت الذي أتمنى أن يعود مرة أخرى للساحة؛ لأن شارلي شابلن أدى بفنه ما لم يؤدي الفنانين من زمنه إلى الآن.

شارلي شابلن

ماذا استفدنا من كمية الأفلام المنطوقة من تلك الحقبة إلى الآن؟

إن انعدام التعبير الصامت، والفن الصامت، والرسالة غير المحكاة توريط كبير للإنسانية..

الرسامون فنانون صامتون ببراعة، والنحاتين، والملحنين، والموسيقين، وأما الكتّاب فإنهم أصحاب المهذرة إلا ما ندر..

نحن في زمن لسنا بحاجة إلى خطباء، بقدر ما نحن بحاجة إلى أئمة تعلّمنا فن الصمت الذي هجرناه منذ الأزل..

ليت هناك جوائز للصمت، مثلما هناك جوائز للخطابة..

يقول الجاحظ: أن كثرة الصمت تورث العي، وكثرة الكلام يا أبا عثمان ماذا تورث؟

أعطني إماما واحدا يجيد فن الصمت، وسأعطيك جيلا كاملا يجيد الحكمة.