من كتبي اعترافات قارئة عادية لآن فاديمان.
تقول أنها كاتبة عادية؛ ولكنها ليست كذلك.
تبهرك آن فاديمان في موضوعاتها الخلاقة والنوعية، بأسلوب ممتع، وأسلوبٍ كأنه شرقي بعض الشيء؛ لكثرة الاستطرادات وكذلك، أسماء الأعلام والكتب والأماكن التي تزخر بها مقالاتها.
لديها عناوين مقالات جذابة وأنا أغبطها على حسن اختيارها لعناوين مقالاتها، ومن أجمل عناوينها عنوان (لا تؤذِ كتابا)، وهو مقال رائع تقول فيه: (خلال الثلاثين عاما التالية، أدركت أنه كما توجد أكثر من طريقة للحب بين البشر، هناك أيضا أكثر من طريقة تحب فيها الكتب)، وتقول في موضوع آخر في نفس المقال: (ماذا يخسر العشاق العذريون بإيمانهم أن الكتب خلقت للقراءة لا غير! ماذا يستعملون لحشو الفراغات ولتثبيت درفة الباب، ولتسوية تجاعيد السوط، أو كأثقال فوق ما يلصقونه بالغراء؟!) وهذا عجيب غريب لأنه يذكرني بحالي قديما؛ فإني كنت أقدس الكتب تقديسا هو أقرب للعبادة حتى أني أذكر أني كنت أشارك أخي الأكبر في الشقة حينما كنت في الجامعة؛ فدخلت يوما المطبخ ووجدت تفسير ابن كثير تحت الثلاجة، فقد انكسرت رجل من أرجلها، فوضع الكتاب مكان الرجل حتى تستقيم، وكان مقاس التفسير بمقاس الرجل المفقودة، فتمعّر وجهي حتى عرف أخي الغضب في وجهي، وخاصمته عدة ليالٍ لا أكلمه وأقول له: أومثل ابن كثير تحت الثلاجة؟!!
فيجاوبني بكل برود: مقاسه كان مناسبا جدا!!
ثم إن الحال تغيرت كثيرا الآن فلقد زودتني الدار مؤخرا بكرتون فيه أكثر من مئة نسخة من كتابي الجديد، وفي إحدى الأيام فتحته لآخذ منه نسخة، وإذا بي أرى المطرقة والسكاريب وريموت تالف للتلفزيون، وشموع زينة تعلو الكتب حتى لم أكد أراها؛ فلم أغضب ولم يتمعر وجهي؛ بل أبعدت الأغراض بكل هدوء واستللت نسختي، وأعدت الكرتون لمكانه بمطرقته وسكاريبه وريموته..
يبدو أن داهمت المطرقة والريموت لأن السكاريب كانت موعودة بليلة حمراء لاسيما والشموع موجودة!!
فسبحان مغير الأحوال، والأهواء، والقلوب..
أصبحتُ مثل عائلة فاديمان فهم يرون أن (كلمات الكتاب وحدها مقدسة، أما الورق، والتجليد، والغلاف الكرتوني، والصمغ، والخيطان والحبر التي تحتوي الكلمات فهي مجرد وعاء ناقل لا غير.
لذلك لا يُعتبر انتهاكا أن يُعامل الكتاب كما تقتضي الرغبة والحاجة).
الكتاب أيضا يضم مقالات شيقة مثل (أدخل جزرة) والتي تتحدث فيه عن السرقة الأدبية لاسيما في كتب الطبخ؛ وكذلك مقالة لا جديد تحت الشمس، وهذه المقالة تتحدث عن السرقة الأدبية بعمومها وبشكل موسع ومفصل.
وأغرب شيء لدى المؤلفة أنها تقرأ الكاتلوجات التي تصلها لبريد بيتها، فهي تقرأها وأغلب الكاتلوجات التي تأتيها تكون عادة متخصصة في أدوات الزراعة المنزلية، والأجهزة الكهربائية، والأزياء، ومع ذلك فهي لا تفوّت أي عدد منها.. وتقول أنها قارئة عادية، ليست كذلك أبدا..
الكتاب من القطع المتوسط يقع في 159 صفحة، الصادر عن دار مدى، عام 2020م.