11مارس

عودوا إلى الحياة

انتقالك من مربع صغير إلى مربع كبير، يكيّفك على المربع الجديد، وعودتك إلى المربع السابق يكون متعذرا غالبا.

لقد تعاملت مع شتى الأشخاص، من مختلف بقاع العالم، ومن سائر المهن، ومن جميع الجنسين؛ ولكن يكون العالق في الذهن دائما (الأكاديمين).

نشعر أن الأكاديمين في مجرة درب التبانة يحملون نفس فصيلة الدم، أو أن لديهم كتالوج يتصرفون من خلاله، وتشعر أن الأكاديمي في جزر الكاريبي، لا يختلف كثيرا عن الأكاديمي في الخليج إلا في السحنة والشكل.

من نافلة القول أنني لا أعمم؛ ولكنني أذكر الجملة، والغالب فيهم إلا من رحم ربي.

أعتقد وبشكل صريح أن كثير من الأكاديميين يعانون في الحياة بشكل صارخ، وذلك أنهم تركوا مقاعد التلمذة في الصروح العلمية؛ ولكنهم لم يتركوها في الحياة، فهم في الجامعة متقدمين عن غيرهم؛ بيد أنهم في الحياة يبقوا تلاميذ حتى الموت.

وكأني بلسان حال -الصادق منهم- يقول:

أصبحت أستاذا فزت جهالة
فلقد فقدتُ تواضع التلميذِ

إن الأكاديمي -غالبا- يحب أن يُعرف أنه أكاديمي وأنه يعمل في السلك الجامعي، ولو سألته في الدكان أو في المسبح أو في الفندق عن اسم ابنه لأجابك: أنا أعمل في الجامعة، واسم ابني كذا!!

يحب -أغلبهم- أن يحشر أنفه في كل شاردة وواردة في التاريخ والحاضر والمستقبل، وكأن شهادته التي يحملها تخوّله لدخول حقول المعرفة، وأنها (مستر كي) تفتح له جميع التخصصات الأخرى.

فهو يفهم في الطب، والأديان والمذاهب المعاصرة، والتاريخ القديم، وعلم الحشرات، والذكاء الاصطناعي، والبيانات الضخمة، مع أن تخصصه بعيد كل البعد عن هذه العلوم.

كثير منهم لا يفرق بين الناس، وبين طلابه؛ فالكل في نظره طلاب، وهو يعتقد أنه دكتور على الجميع داخل الجامعة وخارجها، ويظن أن له الحق دائما في التقدم وفي الترأس وفي المقدمة فقط لأنه أكاديمي.

هم في عزلة بسبب طبيعة عملهم، والشروط القاسية للترقي، ومع كثرة السنين ونفس الروتين يفقد بعضهم مهارات الذكاء الاجتماعي، ويبقى مخلصا للبحوث المحكمة وأروقة الدراسات العليا، وينسى أو يتناسى مهارة التعامل مع الناس.

إنهم لا يريدون -قصدا أو خطأ- أن يصفّوا مرة أخرى في طوابير المعرفة، وفي مربعات التلمذة، وكأن لديهم (صك إجازة) من كل هذا.

القيود الموجودة في مرحلة الدراسات العليا -لاسيما- الدكتوراة تترك أثرها وبشدة على الشخص، ولا يكاد ينجو منها إلا القليل.

إلى مشعر الأكاديمين الأعزاء بكل حب أقول لكم:

عودوا إلى الحياة فنحن ننتظركم هناك.

    شارك التدوينة !

    عن Hatem Ali

    2 تعليقان

    1. كلام جميل استاذي شكرا على المقاله الرائعه

      دمت بخير

    اضف رد

    لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

    *