إن عملية التأليف في ماهيتها ليست واحدة في الشرق والغرب..
المؤلف في الشرق هو سيد الموقف في كتاباته ويستطيع أن ينشر ما يكتبه دون خضوع لأي اشتراطات سوى الشروط المعروفة لدى وزارة الإعلام؛ والمؤلف في الشرق يستطيع التواصل مباشرة مع دار النشر دون وسيط؛ لكن الأمر مختلف تماما في الغرب فلابد من وجود وكيل أدبي يكون بين المؤلف وبين الدار..
ودور الوسيط ليس دورا شكليا؛ بل هو الذي يملئ على المؤلف كيف يكون الكتاب ويتدخل في صلب المادة المكتوبة بالمعايير التي تناسبه وتناسب دور النشر التي يتعامل معها..
ومن أجل هذا كان هناك عندهم في الغرب ما يسمى “بالتحرير البلاغي” والمحرر لا يقتصر دوره على الأخطاء النحوية والإملائية فحسب؛ بل يتم مراجعة السياق العام للكتاب، والتعديل والحذف والإضافة بما يجمّل شكل ووجه النص، ولهذا نجاح الكتاب عندهم أعلى بكثير من عندنا بسبب أن الكتاب يكتبه واحد، ولكن المعدلين كثر، ومعلوم أن الإنسان ضعيف بنفسه، قويٌ بأخيه..
إن هذه الخدمة موجودة لدينا ولكنها تقدّم على استحياء وفي الخفاء وكأنها سرقة، لذلك لا يوجد عليها إقبال كبير لعدم وعي الكتّاب بأهمية دور المحرر، وأثره على الكتاب بشكل خاص، والمشهد الثقافي بشكل عام..
كثير من المؤلفين الشباب يكون لديهم كبرياء طاغي لدرجة أنه يقول لا أحتاج من يحرر لي نصي، ولا أريد من يبّدل ويغيّر في كتابي، ولذلك يكون كتابه رديئا وباهتا ويضاف بسرعة إلى قائمة الكتب التي تُرمى في سلة المهملات..
وإن كان هناك من أمنية لديّ هي أن يكون لدينا وكيل أدبي في كل منطقة أو كل دولة حتى يغربل حركة النشر لدينا، ويحسّن من جودة مطبوعاتنا..
الاستمرار بنفس العقلية السابقة للتعامل مع النشر والطباعة، لن يؤدي إلى نتائج جديدة، بل ستكرر النتائج السابقة..
يقع على كاهل دور النشر عبئا كبيرا بحيث أنها لا ترفض أي عمل رديء؛ بل يجب أن تساهم في تعديل وإصلاح هذا الرديء حتى يكون جيدا، وعملية الإصلاح هذه تكون بالتعاقد مع محررين بلاغيين يستطيعون الارتقاء بالعمل المكتوب إلى أرفع مستوى من الممكن أن يصل إليه هذا الكتاب..
أنا لا أطالب بالتدخل الأعمى في صلب الكتاب، والعبث بشعور الكاتب وأحاسيسه؛ ولكني أطالب بتنظيم وترتيب وتهذيب هذا الشعور وهذه الأحاسيس بالشكل الملائم، وبالطريقة المثلى لاسيما لدى الكتّاب الشباب، والذين ينشرون لأول مرة..
وكم رأينا من كتاب فيه من الأخطاء البدائية ما يشيب له رمش العين، فبعضهم يكتب المقدمة يظنها تمهيدا، والبعض الآخر يكتب التمهيد ويعتقد أنه مقدمة، والشاب اللطيف يكتب إهداء في خمس صفحات طوال أطول من يوم الأحد، وهكذا تجد الأخطاء الفاضحة التي تدل على لين عود التجربة، وضعف الخبرة، ولست ألومهم؛ لكني ألوم الجهات المختصة التي من المفترض أنها تضبط عملية النشر، والضبط هنا ليس بالوصاية؛ ولكن بالإرشاد..
إذا أردنا أن نرتقي بعملية نشر الكتب في الشرق فلابد أن نعلي من قيمة “التحرير البلاغي”..